إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا رجلاً يقاتل معهم ضد الكفار أشد القتال، وظاهره أنه صحابي من صحابة رسول الله، رأوه يقاتل الكفار قتالا أشد القتال، فأعجبوا به أيما إعجاب، وجاء بعضهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول: يا رسول الله! ما أجدى اليوم منا أحد كما أجدى فلان، فقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام:(هو من أهل النار)، فشق ذلك على الصحابة وكبر عليهم، فالرجل يقاتل والرجل يجاهد، والرجل شجاع وجريء، فتبعه أحد الصحابة فرآه يقاتل العدو أشد القتال، ثم ما لبث أن طُعن، فما صبر على الطعنة فوضع مقبض سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه حتى قتل نفسه، فجاء الرجل إلى الرسول، فقال: يا رسول الله! الرجل الذي أخبرت أنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الله أكبر! أشهد أني رسول الله، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
لذلك معشر الإخوة! {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٩]، فاعلموا وأيقنوا أن المهتدي من هداه الله، وأن الغوي من أغوي، أغواه الله -والعياذ بالله-، ثم لا ينبغي أن تتحسر النفس على أحد، ولا أن تتقطع حسرات على أحد، قال تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[الأنعام:٣٥]، فالله قادر على هداية الخلق أجمعين، ولكن شاء الله وقدر أن يخلق الناس مختلفة طبائعهم، مختلفة أفكارهم، مختلفة أخلاقهم، فترى من الناس التقي الورع الذي يرى ذنبه وكأنه جبل يوشك أن يسقط عليه، وترى من الناس الغوي الفاجر الذي يقترف الكبائر، وكأنها ذباب وقع على وجهه فهشه فطار.
ترى من الناس الرجل الوفي الكريم، والرجل الماكر اللئيم ترى من الناس الرجل الشحيح البخيل، والرجل السخي الكريم، خصالٌ أنعم الله بها على العباد، وخصالٌ تخلق بها أقوام من أهل الفجور، خصالٌ وخصال، وتأتي تخلص إنساناً من خصلة، فلا تستطيع بحال من الأحوال، تريد أن تجعل البخيل كريماً، فلا تستطيع معه بحال، وإن أعطاك شيئاً أو أعطى آخر شيئاً فهو أشق عليه من أن يقطع جزءٌ من جسمه.
شخصٌ آخر تأتي تعلمه المزاح أو المداعبات وهو لا يفقه أنواع المزاح ولا أنواع المداعبات، ويقلب الفرح هماً ونكداً وغماً خصالٌ اختلف بها خلق الله، إذ جبلهم الله سبحانه جبلات، ولا تملك لهم شيئاً إلا إذا حولهم الله وإذا غيرهم الله:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[الأنعام:٣٥ - ٣٦]، هكذا قال تعالى:{وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} الموتى الذين تفرقت أجسادهم، وبليت أجسامهم، يبعثهم الله، {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}، فاعملوا للقاء الله، وانظروا ماذا قدمتم لغدٍ.