للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأثر الناتج عن استشعار العبد رقابة الله]

يجب علينا -معشر الإخوان- أن نقف مع أنفسنا ونسألها: ما هو الحامل لنا على الخوض بألسنتنا فيما لا يعنينا؛ فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)، ولنسأل أنفسنا كذلك: هل نحن من أهل الامتثال بتعليم نبينا ابن عمه الحبر الكريم عبد الله بن عباس حين علمه فقال له: (احرص على ما ينفعك)؟ وهل نحن نحرص دائماً على ما ينفعنا؟ وهل حرصنا على النافع، أم حرصنا على التمزيق وتشتيت الأعراض وانتهاك الحرمات؟ فكلٌ منا عليه أن يقف ويسأل نفسه: ما هو الحامل لي على إطلاق العنان للسان بالكلام؟ إذ قد رأينا في كتاب الله أن الرقابة علينا شديدة، ولكن من ينسى مراقبة الله له لابد أن يقع في الزيغ والضلال، ومن يقل يقينه ويضعف إيمانه برقابة الله سبحانه وتعالى عليه تشرد منه الشوارد، وتخرج منه الأوابد والمهلكات، ففي كتاب ربنا تختم مئات من الآيات -بل إن شئت قلت الآلاف- بمراقبة الله لك.

كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) فهذه الفقرة ختمت بها عشرات الآيات، فالله سميع يسمع كلامك، ويرى مقامك، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فيه أن الله يعلم أقوالك خبير بأفعالك، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فيه نفس المعنى، وفي قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:١٥٨] ما يفيد أن الله يعلم أحوالك، وفي قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] ما يدل على هذا المعنى، وفي قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:١] وهي تسر بالحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما يشعرك بأن الله سبحانه يسمع كلامك، ويرى مقامك، ويطلع على ما في نفسك، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦]، والسؤال عنه يتأتى يقيناً بعد معرفته، والفؤاد: هو القلب.

فالله سبحانه وتعالى يعلم ما فيه القلوب، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ولو قرأت سورة واحدة من كتاب الله لظهرت لك فيها مئات من المعاني كلها تدل على إحكام مراقبة الله سبحانه وتعالى عليك، فهو رقيب عليك، وهو حسيب عليك، فهو رقيب حسيب سبحانه وتعالى، فما بالك تطلق للسان الفنان في الكلام، وما بالك تطلق للقلب الوساوس والشكوك والظنون، فالله سبحانه عنده السر كالعلن، فعنده سبحانه السر الذي في قلبك كالعلن البادي من لسانك، فكله عند الله سواء، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، فإذا كان ذلك كذلك فاترك ما لا نفع فيه لك، واترك الخوض في الأعراض، واترك التشهير بالمسلمين، وأمسك عليك لسانك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.