قال تعالى:{بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}: هل هي آية من سورة الفاتحة أم ليست بآية منها؟ أيضاً: نفس الخلاف دب بين العلماء: - فمن أهل العلم من اعتبرها آية من الفاتحة؛ مستدلاً بقول الله جل ذكره:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}[الحجر:٨٧]، وتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للسبع المثاني بأنها الفاتحة، قالوا: ولا تكمل سبعاً إلا إذا اعتبرنا البسملة آيةً منها.
وكذلك استدلوا بأنها أثبتت في المصاحف في أول سورة الفاتحة، وفي أول كل سورة، فدل إثباتها من عهد الصحابة إلى الآن على كونها آيةً من سورة الفاتحة ومن غيرها.
واستدلوا أيضاً: بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه، فقال:(لقد أنزلت عليَّ سورة هي أحب إليَّ من كذا وكذا، ثم قال:{بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} * {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:١])، فأتى على السورة إلى آخرها.
أما الذين قالوا: إنها ليست آية من الفاتحة؛ فقد استدلوا بقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:٢] قال الله: حمدني عبدي)، ولم تُذْكر البسملة.
واستدلوا كذلك بقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:(اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:١ - ٢])، ولم تُذْكر البسملة في مطلع هذه السورة.
قالوا: فدل ذلك على أنها ليست بآية.
فهذان وجهان لأهل العلم في هذا الباب، والأمر في ذلك قريب، فأيُّ القولين قلدتَ فلا جناح عليك ولا تثريب، فقد شهدت لكل رأي أدلتُه، وعمل به من السلف عددٌ لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى، وإن كان الظاهر أن الرأي القائل باعتبارها آيةً رأيٌ له قوته؛ لقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}[الحجر:٨٧] والأدلة الأُخَر ليس فيها نفيٌ صريحٌ لذلك.