قال الله تعالى ذكره:{وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}، ولكن فضلتم عليهم بشيء {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}[النساء:١٠٤]، فرجاؤكم يستلزم منكم صبراً وجهداً؛ فاصبروا على طاعة الله، وجاهدوا ابتغاء مرضات الله، هكذا الحياة الدنيا، تصاب -أيها المؤمن- مرة، والكافر كذلك هو الآخر يصاب مرة، هكذا تتداول الأيام بين الناس.
ولكن شتانٌ بين مصيبة يصاب بها المؤمن فترتفع درجاته، ومصيبة يصاب بها الكافر أو الفاجر كمقدمة للعقوبات التي تنزل عليه من الله سبحانه وتعالى، فعقوبات المؤمن كفارة له حتى الشوكة يشاكها، أما الكافر والفاسق فهي بشائر انتقام من رب العالمين من هذا الكافر وذاك الأثيم، قال سبحانه:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} فلا تحزنوا، {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، يوم بدر، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}[آل عمران:١٤٠]، فرب رجل لم يوصله عمل صالح إلى منازل من منازل الكرامة التي أعدها الله له في الجنان، قد تكون لك في الجنة درجة عالية رفيعة، وعملك الصالح قصر ولم يوصلك إليها؛ صلواتك قليلة، صدقاتك قليلة، حجك قليل، ذكرك قليل، ولكن كُتبت لك عند الله الحسنى، فحينئذ تبتلى بأنواع من الابتلاءات في بدنك وأهلك وأولادك حتى ترفع درجتك وتعلو منزلتك عند الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[آل عمران:١٤٠]، وقد كان اتخذ الله شهداء كثير من أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد، {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} -ليبتلي الله أهل الإيمان- {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:١٤٠ - ١٤١].
ثم قال سبحانه:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:١٤٢]، أم حسبتم: أفظننتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا حتى يظهر منكم الكاذب في دعواه من الصادق؟ هذا ظن خاطئ، فمن ظن أن الحياة السعيدة تدوم له دائماً وأبداً، فقد أخطأ وخالف سنن الله سبحانه وتعالى، فإن الله قال:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:٢]، فلا تظن هذا الظن أبداً، وتوقع البلاء في أي لحظة من السراء أو الضراء، فالابتلاءات تتشكل وتتنوع، ولا يفقهها ولا يعلمها إلا أولو الأبصار وأصحاب العقول، أما رأيت سليمان عليه السلام لما رأى العرش مستقراً عنده:{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل:٤٠]؟ هذا نوع بلاء، فغاية الإكرام تحمل غاية الابتلاء، وما يعقلها إلا العالمون.