[اضطراب القلب سببه وعلاجه]
القلوب كما لا يخفى عليكم لها نوع آخر من المرض وهو الاضطراب، قلب كثير الاضطراب، ما هو سبب هذا الاضطراب؟ أولاً: سبب الاضطراب أنك تفعل آثاماً أحياناً صريحة أنها آثام عندك، وأحياناً مشتبهة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (البر ما اطمأنت إليه النفس) أي: سكنت إليه النفس (والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس) فالإثم يجعل النفس لا تطمئن، ومعنى لا تطمئن أي: لا تسكن، ومعنى لا تسكن أي: تضطرب، فتسبب هذه الأشياء انفعالات على القلب، فتجد نفسك قلقاً غير مرتاح.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لقلب المرء أشد تقلباً من الماء في المرجل) يعني: الماء في القدر إذا وصل إلى درجة الغليان، بدأ يتقلب والفقاقيع تطلع وتنزل، فكذلك القلب يتقلب هذا التقلب الشديد؛ ولذلك قال ابن عمر: كان أكثر أيمان النبي صلى الله عليه وسلم (لا ومقلب القلوب!) وكان يقول: (اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب والأبصار! صرف قلبي إلى طاعتك) وإبراهيم الزكي الذي آتاه الله رشده يقول للمشركين: أنا لا أخاف من أصنامكم، ولا أخاف ما تشركون به إلا في حالة واحدة: (إلا أن يشاء ربي شيئاً) إلا أن يشاء ربي أن يقذف في قلبي الخوف من هذه الأصنام، فالقلوب قد تتبدل في لحظة واحدة عياذاً بالله؛ لأن الشخص منا لا يملك لنفسه شيئاً، ولا يملك قلبه، والله يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:٢٤] يعني: أنت لا تستطيع أن تتحكم في قلبك.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما عاتبته بعض أزواجه في حبه الزائد لـ خديجة وقد ماتت ماذا قال؟ قال: (إني رزقت حبها في قلبي) يعني: لا أستطيع أن أصرف هذا الحب عن قلبي، وقد قال عدد من العلماء: وفيه خبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أن المحبة التي في القلب من الله سبحانه وتعالى، فلما كانت القلوب متقلبة لزمنا أن نطلب ما يثبتها على الإيمان، فأولوا الألباب يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨] {رَبَّنَا لا تُزِغْ} أي: لا تمل {قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨].
فطلب الثبات للقلب علاج له من الاضطراب، وذكر الله تطمئن به القلوب كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} يعني: قلوب الذين آمنوا إذا حصل لها شيء من الاضطراب تطمئن بذكر الله، ومعنى تطمئن: تسكن، ويزول عنها خوفها وقلقها، ثم قال الله تعالى {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] أي: جدير بذكر الله أن يطمئن القلوب، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} ما المراد بذكر الله الذي تطمئن به القلوب؟ لأهل العلم قولان في المراد بذكر الله الذي به تطمئن القلوب: ففريق من أهل العلم يقول: إن المراد بذكر الله القرآن، فالشخص إذا كان مضطرباً وقرأ القرآن بتؤدة وتفقه سكن وذهب عنه الهم الذي يجد، ودليلهم على أن المراد بذكر الله هو القرآن قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، فقالوا: إن المراد بذكر الله الذي تطمئن به القلوب هو القرآن.
وفريق منهم يقول: إن المراد بذكر الله الحمد والتسبيح والتهليل والتكبير وسائر الأذكار المشروعة، والقول بالتعميم في هذه المواطن أولى، بمعنى أن المراد بذكر الله: القرآن وسائر الأذكار، فكلها تطمئن القلب، وتذهب الخوف والقلق، ومن ثَم لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين يستبان، وأحدهما انتفخت أوداجه وعلا صوته، واحمر وجهه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه الذي يجد) فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ذكر لله سبحانه وتعالى، ومعنى (أعوذ بالله) أي: أستجير بالله وألجأ إليه من الشيطان الرجيم، فذكر الله أحد المثبتات كما تذهب إلى الطبيب فتقول له: أعطني مقويات عامة للقلب، فيعطيك بعض الأدوية من أدوية الصيدليات.
فهناك مقويات عامة للقلب، إذا كنت تخاف وقلبك يرتعد من بعض الناس فذكر الله يثبتك في هذا الموطن، إذا خفت قوما قل: (حسبي الله ونعم الوكيل) وأكثر منها، ف ابن عباس يقول كما في البخاري: (((حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران:١٧٣] قالها إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما قال لهم الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]).
إذا أصبت بمصيبة كأن جاءك خبر موت أخيك أو أبيك القلب يقلق ويضطرب، والهم يزداد عليك، وهناك اضطراب زائد، فعلاجه ذكر الله، وصْفةٌ إلهية موجودة في المصحف: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٦ - ١٥٧] فذكر الله يقوي القلب، لا يقوي القلب فقط بل يقوي البدن كذلك، لا يخفى عليكم أن فاطمة أتت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تسأله خادماً وتريه أثر الرحى في أيديها، يدها تأثرت من الطحن، وتريد خادماً من رسول الله، قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أولا أدلك على ما هو خير لك من خادم،) تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين ثلاثاً وثلاثين عند النوم (فهو خير لك من خادم) فأهل العلم يقولون: هذا مقو عام، يقوي الجسم ويجعل الشخص ينشط أكثر مما يفعله الخادم.
فذكر الله سبحانه وتعالى من أقوى المقويات للقلب والمثبتات لها في كل الأحوال وفي كل المواطن، إذا جئت إلى مكان وأنت فيه خائف، وذكرت الله عز وجل اطمأن قلبك، وذهب عنك الخوف، لو قلت: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) اطمأن قلبك وذهب الخوف عنك، لو قمت من النوم وأنت منزعج غاية الانزعاج من الرؤيا المفزعة، وقلبك مضطرب ينبض مرعوب من الرؤيا المفزعة، علاجها في شيء يسير علمنا إياه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أرشدنا ألا نحدث بها، ولا نكلم بها أحداً، وأن نتفل عن يسارنا، وأن نتعوذ من شرها، فجاء ذكر الله في صورة التعوذ بالله من شرها، إذا كانت مفزعة فقم إلى الصلاة فإنها ذكر لله أيضاً كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤] قال أبو قتادة رضي الله عنه: كنت أرى الرؤيا أثقل عليّ من الجبل، فالشيطان يدخل من خلال حلم مفزع يرتبه لك ترتيباً في الرؤيا، ويوهمك أنك ستموت غدا يقيناً أو تصاب بحادث أو ابنك سيصاب بشلل ويرتب لك ترتيباً أنك ستدمر، ويعكر عليك حياتك كلها بسبب هذه الرؤيا المفزعة، ف أبو قتادة يقول: (كنت أرى الرؤيا أثقل عليّ من الجبل، فلما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عني ولم أعد أبالي) فيقول الذكر الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أنها خمسة آداب: ١ - أن تتفل عن يسارك ثلاثاً.
٢ - أن تتعوذ بالله من شرها.
٣ - ألا تحدث بها أحداً.
٤ - أن تتحول عن جنبك الذي أنت عليه.
٥ - وإن كانت مزعجة قم فصل.
خمسة آداب ولن يضرك شيء بإذن الله، فبذكر الله تطمئن القلوب.