هل يجب على الشيخ الكبير إذا أفطر في رمضان لعدم استطاعته الصيام أن يطعم؟
الجواب
من أهل العلم من قال: يجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً، وحجته في ذلك تأويل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما للآية الكريمة:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:١٨٤]، فقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن هذه الآية لم تنسخ وأنها باقية في حق الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمرضع والحامل الذين يستطيعون الصيام لكنه يجهدهم، فإذا صاموا شق عليهم الصيام، فقال في شأن هؤلاء: يطعمون مكان كل يوم مسكيناً، إذا هم أفطروا.
أما الحجة الثانية التي استدل بها القائلون بأن الشيخ الكبير يطعم مكان كل يوم مسكيناً: فهو أثرٌ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أنه لما أسن، أي: تقدم به السن -وكان لا يطيق الصيام- كان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً.
فعلى ذلك: ذهب فريق من أهل العلم -وهم الجمهور- إلى أن الشيخ الكبير إذا أفطر أطعم مكان كل يوم مسكيناً.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يلزم بشيء؛ وذلك لأنه مخاطب بالصوم، فعجز عن الصيام، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأجاب هذا الفريق الذي لم يلزم الشيخ الكبير بالإطعام: بأن الآية الكريمة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:١٨٤]، منسوخة عند الجمهور، فقالوا: أمر هذه الآية الكريمة متعلق بالذي يطيق الصوم، قالوا: ففي أول فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مكان كل يوم مسكيناً، فهذا قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:١٨٤]، قالوا: ثم نسخت بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:١٨٥].
فقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:١٨٥]، نسخ التخيير في قوله تعالى:((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)) [البقرة:١٨٤] قالوا: فليس في الآية إذاً حجةٌ على إلزام الشيخ الكبير بشيء، وأما فعل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهذا فعلٌ موقوفٌ على صحابي، ولا يتنزّل منزلة الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل في المسألة: أن الشيخ الكبير إذا أفطر لعدم إطاقته الصيام على رأي الجمهور يطعم مكان كل يوم مسكيناً للحجج التي ذكرنا، ومن العلماء من قال: لا يلزم من ذلك بشيء.
يبقى أنه مستحب له إذا أفطر أن يطعم ويكون ذلك أعظم لأجره، وإلا فـ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦].