{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}[الطلاق:٢] أي: أنتم يا شهود عليكم إقامة الشهادة لا لعرض من أعراض الدنيا ولا لثناء، ولكن الشهادة تقام لله، ولذلك يقول العلماء في الشهادة على وجه الخصوص: كما أن فيها حقاً للعبد ففيها حق لله سبحانه.
وشأن الشهادات بصفة عامة يقول الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}[النساء:١٣٥] أي: شهادتكم لله {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء:١٣٥] فلا تشهد لفقير لكونه فقيراً فتقول: هذا ضعيف أشهد له.
ولا تشهد لغني لكونه غنياً سوف يعطيك، بل الشهادة تقام على وجهها لله، ولا تراعى فيها العواطف، يقول الله:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء:١٣٥] فالله أرحم بهما منكم؛ ليس عليك إلا أن تقيم الشهادة.
فعلى ذلك هنا تحول في الخطاب، صورته أن الله قال:{وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:٢] فهذا خطاب لعموم المطلقين ولأهل النساء، ثم تحول الخطاب إلى الشهداء في قوله:{وَأَقِيمُوا} أنتم أيها الشهداء {الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} فهذا يسميه العلماء: التفات في الخطاب، وله صور في كتاب الله، ومنه في سورة الإنسان {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}[الإنسان:٢٢]، فبعد أن حكا عنهم {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً}[الإنسان:٢٢] تحول إلى الخطاب (وكان) وكذا قوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}[يونس:٢٢] تحول أيضاً الخطاب.
{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ}[الطلاق:٢] الوعظ يطلق على التذكير، ويطلق على الزجر كما هو هنا، {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ}[الطلاق:٢] أي: يزجر به، أو يذكر به، {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:٢] وهذه من ثمرات التقوى، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:٣] فيفيد أن التقوى سبب في سعة الرزق، والوقوف على حدود الله سبب في سعة الرزق وإن توهم متوهم غير ذلك.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣] أي: ومن يكل أموره إلى الله فالله كافيه وناصره وحافظه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: ومن يتخذ الله وكيلاً له فالله يكفيه سبحانه، فهو نعم الوكيل.
{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}[الطلاق:٣] أي: ينفذ الذي يريده سبحانه وتعالى، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:٣] أي أن كل شيء له قدر.