إن ذكر الله يعظم في هذه الأيام، ويستحب الإكثار منه في هذه الأيام، وليس في هذه الأيام فحسب، بل على الدوام كذلك، قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن شرائع الإسلام قد تكاثرت عليَّ يا رسول الله! فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال رسول الله: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله عز وجل) فالأفواه تطيب وترطب بذكر الله عز وجل، والذاكرون هم السابقون، وإن كان عملهم سهلاً عليهم ويسيراً إلا أنهم هم السابقون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد كان في سفر معهم فمروا بجبل يقال له: جمدان، قال:(سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).
وقد حسن بعض أهل العلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله).
والذاكر في حرز من الشيطان الرجيم طالما أنه يذكر ربه، في حرز من الشيطان طالما هلل عشراً في الصباح والمساء، الذاكرون لهم مغفرة وأجر عظيم، كما قال ربنا:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:٣٥]، الذاكرون قلوبهم مطمئنة:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨]، الذاكرون أبدانهم صحيحة، وقلوبهم سليمة، وذكر الله يقوي البدن، لذلك أرشد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ابنته فاطمة -سيدة نساء أهل الجنة- إلى ما هو خير لها من خادم فقال لها:(تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين عند النوم فهو خير لكِ من خادم) فهذا شيء من فضل ذكر الله.
فلذلك سأل موسى الكليم عليه السلام ربه تبارك وتعالى أن يمده بأخيه هارون قال:{هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[طه:٣١ - ٣٥]، وما منع الله زكريا عليه السلام من الكلام عند بشارته بالولد لم يرخص له في ترك الذكر، قال تعالى:{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}[آل عمران:٤١].
فداوم على ذكر الله يا عبد الله! ذكر الناس بربهم، أدخل في خطابك معهم ذكر الله، قل لهم: عفا الله عنكم، سامحكم الله، جزاكم الله خيراً، الله المستعان، لا حول ولا قوة إلا بالله، فكلما تيسر لك إدخال ذكر الله أو إدخال اسم الله في جملة فأدخله، ولذلك كره البعض أن يقال: جُزيت خيراً، بحذف لفظ الجلالة، ولا أعلمها واردة عن رسولنا محمد، إنما الوارد جزاك الله خيراً، فالذي يقول: جُزيت خيراً ويحذف لفظ الجلالة خالف الأولى، وخالف الأفضل، فالأفضل تطييب الأفواه بذكر الله.
فكن دائم التذكير للناس بربهم، ذكر المعتدين بربهم، وذكر أصحاب المعروف بربهم، وذكر الفقراء بربهم، وذكر الأغنياء بربهم، كلما سنحت لك فرصة فذكر فيها بالله، فهذا ولد آدم يذكر أخاه بربه فيقول:{لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة:٢٨]، وهذه مريم عليها السلام تمثل لها جبريل بشراً سوياً فظنته رجلاً معتدياً فذكرته بالرحمن وقالت له:{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا}[مريم:١٨]، وهذه ابنة العم لما قعد ابن عمها بين رجليها قالت له مذكرة:(اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه)، وها هو رسولنا يذكر المتلاعنين بعد أيمانهما فيقول لهما مذكراً بالله:(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟)، ورسولنا يرى أبا مسعود البدري رضي الله تعالى عنه يضرب غلاماً له، فيناديه من خلفه:(اعلم أبا مسعود! لله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فالتفت أبو مسعود فإذا برسول الله عليه الصلاة والسلام من خلفه، فقال له: يا رسول الله! هو حر لوجه الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: لو لم تفعل للفحتك النار) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وها هو يعقوب يقول لبنيه بعد أن أصابه منهم من الهم والكرب ما يكاد يغلبه قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:١٨]، فغلب على لسانك ذكر الله عز وجل في هذه الأيام، بل وعلى الدوام كذلك.