[تفسير الآية الأولى من سورة الطلاق]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:١]، أفادت الآية الكريمة: أنه لا يحل لرجل طلق امرأة أن يخرجها من بيته، ولا يحل لها هي الأخرى أن تخرج من هذا البيت، {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:١].
ومن العلماء من قال: إن المراد بالفاحشة المبينة: الزنا والعياذ بالله.
ومنهم من قال: إن المراد بالفاحشة المبينة: البذاءة على أهل الزوج.
وأثيرت مسألة: من حدثت بينه وبين زوجته مشكلة، وخشي من تواجدها أن تتفاقم وتتصاعد القضية، فهل له أن يقول لها: اذهبي إلى بيت أبيك؛ خشية من حدوث طلاق، أم أن ذلك لا يجوز له؟ ذكرنا أن الأولى أن يخرج هو من البيت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما غاضب نساءه اعتزلهن صلوات الله وسلامه عليه، ولم يخرجهن هو من البيت، كذلك علي لما غاضب امرأته فاطمة رضي الله عنها خرج ونام في المسجد.
ولكن إن استأذنت هي دفعاً للمشاكل وخرجت لبيت أبيها بإذن فلا بأس بذلك أيضاً، وذلك لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث الإفك قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله ائذن لي أن آتي أبوي)، فأذن لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:١]، هذا في المطلقة طلاقاً رجعياً، أما المطلقة المبتوتة فليس لها نفقة وسكنى، على رأي جمهور العلماء.
ومن العلماء من أثبت لها النفقة والسكنى، وهم قلة؛ منهم: أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، لكن أصحاب هذا الرأي محجوجون بما روته فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها لما طلقها زوجها فبتّ طلاقها: (لا نفقة لك ولا سكنى).
ومن العلماء من أجاز لها السكنى دون النفقة، منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:٦] الآية.
وهذا يرد على ما يفعله العامة الآن من إخراج المرأة من بيتها لمجرد صدور الطلاق الرجعي، فهذا عملٌ ليس بصحيح وليس عملاً شرعياً، فيحرم عليه أن يخرجها، ويحرم عليها هي الأخرى أن تخرج، وذكرنا أن النكتة في نسبة البيوت إليهن في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:١]، أنها ما دامت في العدة فالبيت بيتها لأنه نُسب إليها.
قال الله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:١] فيجب أن توقر هذه الحدود، {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١] أي: لعله يحدث شيئاً وهو رجوع من الزوج إلى زوجته، ولعله يراها بعد أن طلقت فانكسرت ورق لحالها يراها في حاجة إلى مراجعة وإلى عطف وحنان، يراها وقد تعلق بها أبناؤها وبناتها وأنها في حاجة إلى رجعة.
وهي الأخرى قد ترى من حاله انكساراً بعد التطليق وأنه لا يستطيع أن يقيم نفسه، ولا أن يطهي، ولا أن يغسل ثياب نفسه، فترق هي الأخرى لحاله فيحدث تراجع منها له، أو لعله يرى منها شيئاً من جمالها يعجبه ويستدرك، وفي الحديث: (لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) فيبدأ بالتراجع والتنازل عن شيء من حقوقه.
وهي الأخرى كذلك ترى أنها أخطأت، أو أنها ينبغي عليها أن تصبر على زوجها؛ إذ مع مثالبه فله جملة محاسن فتتغاضى عن مثالبه بعض التغاضي حتى تستقيم المعاشرة، أو تكون هناك أمور أخر أجملت في قوله تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١].
فإذا طلقت المرأة وأُخرجت من بيتها أو خرجت هي من بيتها في العدة؛ عقوبة من الله سبحانه أن يسلط عليها صديقات السوء اللواتي يحملنها على النشوز، وعقوبة كذلك له أن يتسلط عليه أصدقاء السوء من أتباع هاروت وماروت الذين يفرقون بين المرء وزوجه.