للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل حلق الذكر]

السؤال

أحضر كثيراً من دروس العلم التي لست بحاجة إليها الآن، وهذا يضيع كثيراً من وقتي، حيث أن هناك أشياء أهم بالنسبة لي، فأنا أرى أن أقرأ الكتب بنفسي في المنزل، فما الرأي في ذلك؟

الجواب

عليك أن تقدر مصلحة نفسك، لكن على الأقل لا تحرم نفسك بين الحين والآخر من أن تحفك الملائكة، ومجالس الذكر (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ثم إن هناك شيئاً قد تقرأه بنفسك وتضل ولا تفهم شيئاً على وجهه الصحيح، ولكن عند مجالستك إخوانك يظهر لك الشيء الذي خفي عليك.

كنت أدرس مرة في بداية تحقيق الأحاديث منذ سنوات طويلة فوجدت في السند رجلاً اسمه الحرث، فجلست أبحث مدة يوم كامل في كتب الرجال والجرح والتعديل فما وجدت أبداً هذا الاسم، فبكل بساطة قال لي أحد إخواني الذين سبقوني في الطلب: هو أصلاً الحارث، لكن الأوائل لا يكتبون الألف بل يكتبونها: الحرث، كهاشم لا يكتبون الألف، ويكتبون: هشم، ويضعوا ألفاً قد تسقط أحياناً، وقد جلست يوماً كاملاً وأنا في البحث حتى كدت أتعقد من التعب والإرهاق! فأحياناً إخوانك الكبار يفيدونك.

وأحد الإخوة تعب تعباً شديداً في تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:٨١]،لم يفهم الآية، يقرأ التفاسير ولم يفهم أيضاً فذهب للشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمة الله عليه، وبكلمة واحدة فسر له الآية، قال: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لهذا الولد، لكنه مستحيل أن يكون للرحمن ولد فأنا لن أعبد إلا الله.

مثال ثالث: شخص كان داخل البيت ثم جاء وهو مهموم بهم بالغ اعتراه، فسئل: لماذا -يا أخي- أنت مهموم؟ فكل البيوت تحدث فيها مصائب، والابتلاء لكل مسلم فما هو الشيء الذي يجعلك مهموماً؟ فقال: أنا أحتلم كثيراً ولا أجد ماء، فماذا أصنع؟ وكأن هم الدنيا كله فوق رأسه، فإذا كنت تحتلم كثيراً ولا تجد الماء فتيمم، فكأن الهم أزيح من على قلبه، وهو أمر يعرفه القاصي والداني! {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣] لكن غاب عنه مسألة التيمم، فأحياناً كلمة واحدة تشفى بها من إخوانك، وبركة مجلس العالم ومجالس الذكر تثبت بها، وكذلك الملل الذي يتسرب إليك وأنت في البيت.

وحلق الذكر تحضرها الملائكة وتنزل عليها السكينة، تحضرها ملائكة أخر غير الملائكة الذين يحفون بأجنحتهم، وهم الملائكة الذين ينقلون الصلاة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأوقات المجالس في صحائف الأعمال يوم القيامة فكلها خير وبركة، أما في البيت فجلوسك مع زوجتك قد يشغلك عن المذاكرة.