للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من تعذر عليه الحج وفي نيته أن يحج]

معشر الإخوة! الحج خير دليل على امتثالنا لأمر ربنا، فكم من تساؤلات تجري في الحج ليس لنا أي إجابة عليها إلا أن نقول: إنا والحمد الله من أهل الإسلام، نتبع ما أمرنا به ربنا، وما أمرنا به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قال زنديق: لمَ يذهب ذاهب إلى كعبة يطوف حولها سبعاً، وإلى جمرات فيرجمها بسبع حصيات، وإلى عرفات فيقف في الشمس طويلاً، وإلى مزدلفة فيبيت هناك؟ فنجيب على ذلك كله بأننا والحمد لله من أهل الإسلام، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، فما في وسعنا إلا الامتثال لأمر ربنا، فإنا مسلمون ممتثلون لأمر الله، متبعون لسنة رسول الله، سواء علمنا الحكمة من وراء ذلك أم لا، وهذا جوابنا لكل سؤال من أهل زندقة أو من أهل إلحاد أو من أهل نفاق، شعارنا: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، اتبعنا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.

إن العبد يغنم غنائم كبيرة لا تكاد تحصى، وهو لم يقدم كبير عمل إلا أنه تعذر عليه الحج وفي نيته أن يحج، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم عن بعض أصحابه وهم في المدينة: (إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا شاركوكم الأجر) يعني: في الخروج للغزو: (إلا شاركوكم الأجر)، فلك أن تغنم غنائم وأنت في بيتك قد حيل بينك وبين الحج بقلة مال، أو لضعف في بدن، أو لعدم تيسر الحصول على تأشيرة للحج، وأنت في بيتك تغنم غنائم كثيرة لأنك أصلحت نيتك، وسألت الله بصدق تيسير أداء فريضة الحج، وقد قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)، وربنا يقول: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:٢١٢]، فإذا كانت نيتك صحيحة تريد من قلبك أن تحج أو أن تجاهد في سبيل الله أو أن تتصدق أو أن تصلي وسلكت الأسباب المؤدية لذلك وحيل بينك وبين ذلك؛ فمن فضل الله -إذ هو كريم سبحانه، وعلينا أن نعرف حق المعرفة أنه كريم سبحانه- أن يثيب من كانت هذه نواياه، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من خرج من بيته يريد الصلاة) -يعني: أنه لم يقصر في الخروج لكنه خرج يريد الصلاة- (فوجد القوم قد صلوا، كتب له أجر الجماعة)، فجدير بكل مسلم أن يصلح نواياه، والله سبحانه ذو فضل على المؤمنين، وهو ذو الفضل العظيم سبحانه وتعالى يثيب على النوايا كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى} [الأنفال:٧٠] الذين حزنوا على ما أعطوه من فداء: {َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال:٧٠] أي: يعوضكم الله مكان هذه الأموال التي دفعتموها {خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:٧٠]، وكما قال الله تعالى في شأن أصحاب نبيه: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١٨] أي: من الحب للخير ومن الإيمان، {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح:١٨ - ١٩]، فإذا لم يستطع أحد الحج فجدير به أن يكثر من سؤال ربه التيسير للحج فإن الله يثيبه على ذلك، وييسر له أيضاً، فهذا من فضله ومن كرمه سبحانه وتعالى، فإذا لم يتيسر له هذا السبيل، فليصلح نيته والله يجزيه على ذلك، وعلى العموم من صلحت نواياهم أكرمهم الله من فضله، إن ربي رحيم ودود كريم مجيب سبحانه وتعالى.