[مشروعية المشي والركوب في القدوم للحج وأثناء أداء مناسكه]
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:٢٧] الأذان: الإعلام.
{يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:٢٧] أي: على أرجلهم.
{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧] الضامر: هو الجمل الذي أتى هزيلاً متعباً مرهقاً من طول وعناء ومشقة السفر، فالجمل أو الفرس إذا مشي هذه المسافات الطويلة ووصل إلى بيت الله الحرام من مسافات شاسعة أصبح ضعيفاً وضامراً وهزيلاً، فيقال: ضمر الشيء: إذا انكمش {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧].
قوله سبحانه وتعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:٢٧] فيه جواز الحج ماشيا {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج:٢٧] فيه جواز الحج راكباً، وقد ركب النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل بعض الصحابة حتى على إبل الصدقة، وكان عليه الصلاة والسلام من عرفات إلى مزدلفة قد أردف الفضل بن عباس وأسامة بن زيد خلفه صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أنه عليه الصلاة والسلام كان راكباً، فلك أن تركب ولك أن تمشي، وإذا أرهقت أو أرهقت والدتك، أو أرهق أخوك أو أرهق أبوك فللمرهق أن يطوف بالبيت راكباً.
اشتكت أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تطوف بالبيت راكبة، وليس هذا بناقص في الأجر، فإن العبد إذا مرض أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، فلك أن تطوف إذا تعبت أو أرهقت وأنت محمول على الأكتاف، لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لها أن تطوف بالبيت وهي راكبة، ولك أيضاً أن تسعى بين الصفا والمروة وأنت راكب.
وإذا قدر عليك وجئت إلى عرفات بعد غروب الشمس فلا بأس بحجك أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عروة بن مضرس لما وصل إليه وقال: يا رسول الله! أكللت نفسي وأتعبت راحلتي، وما تركت حبلاً إلا وقفت عليه حتى أدرك معكم الصلاة بمزدلفة.
صلاة الفجر فقال عليه الصلاة والسلام: (من صلى معنا الغداة بجمع) أي: الفجر بمزدلفة (وكان قبل ذلك وقف ساعة من ليل أو نهار بعرفات فقد أتم نسكه وقضى تفثه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإذا وقفت أي ساعة من ليل أو نهار بعرفات فحجك صحيح والحمد لله.
قال الله سبحانه: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج:٢٧] ففي ذلك جواز الحج راكباً وماشياً، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك.
ومن مشى لعدم استطاعته الإنفاق على الركوب، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (أجرك على قدر نصبك) وبالنسبة للنساء فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (جهادكن الحج والعمرة) وذلك لما قالت عائشة رضي الله: (نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه حج مبرور) فالحج مشقة على النساء لكنه جهادهن كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه.
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧] والفج الطريق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وكل فجاج منىً ومكة طريق ومنحر) يعني أن لك أن تذبح في أي مكان في منىً أو في مكة.
{يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧] أي: طريق بعيد.