[حكم الجهر بالبسملة في الصلاة]
إذا ثبت أن البسملة آية فهل يُجْهَرُ بها في الصلاة، أم يُسَرُّ بها؟ ورد في ذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه في صحيحي البخاري ومسلم، وفيه: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]) وزاد مسلم: (لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}) فاستدل بهذا من قال: يُسَرُّ بالبسملة ولا يجهر بها.
أما الذين قالوا بالجهر بها، فأجابوا على ذلك: بأن مراد أنس رضي الله عنه: (كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢])، أي: يفتتحون القراءة بالفاتحة وليس فيه تعرُّضٌ لنفي البسملة أو إثباتها.
أما قول القائل الوارد في صحيح مسلم: (لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}) فهي زيادة مدرجة زادها بعض الرواة، وليست من قول أنس، إنما زادها بعض الرواة توهماً منه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] أنه لا يذكر البسملة، قالوا: وقد أخطأ في هذا التوهم.
واستدل القائلون بأن البسملة لا يُجْهَرُ بها: بما أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل عندما سأله ابنه عن الجهر بالبسملة فقال: (يا بني! بدعة)، وهذا الحديث في إسناده رجل مجهول، والظاهر أنه ضعيف كذلك.
أما الذين ذهبوا إلى مشروعية الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} فمن أدلتهم: أولاً: إذا كانت آيةً فيُجْهَرُ بها كما يُجْهَرُ بسائر الآيات.
ثانياً: (أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه صلى صلاة فكان يكبر فيها عند كل خفض ورفع، وجَهَرَ فيها بـ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}، ولما انصرف قال: إني أشبهكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ إلا أن فريقاً من أهل العلم قال: إن وجه الشبه انصب على التكبير الذي استُنْكر على أبي هريرة، فقد صلى أبو هريرة رضي الله عنه وكان يكبر عند كل خفض ورفع، فقالوا له: (ما هذا التكبير يا أبا هريرة؟ قال: إني أشبهكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثالثاً: أن عموم الأعمال تُبْتَدأ وتُفْتَتح بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فالطعام يُبْدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ودخول البيت يُبْدأ بـ (باسم الله)، وأخذ المضجع يُبْدأ بـ (باسم الله)، وكذلك إتيان الرجل أهله يُبْدأ بـ (باسم الله)، وكذلك إرسال كلبك المعلَّم للصيد ترسله بـ (باسم الله)، وكذلك الرُّقْيَة تُبْدأ بـ (باسم الله): باسم الله أَرْقيك، -ثلاثاً-، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر -سبعاً-، وكذلك الرسائل تُسَطَّر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وبنود المصالحات تُسَطَّر وتُقَدَّم بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فقالوا: يُبْدأ بها، وما دمنا نبدأ بها -وقد وجهنا حديث الإسرار بالتوجيه السابق- فعلى ذلك لا مانع من الجهر بها.
والحاصل: أنك إذا جهرت أحياناً وأسررت أحياناً بها فلا غبار عليك ولا جناح، فمثلاً: إذا صليت مع قومٍ ولك قول من القولين ولهم هم القول الآخر، وتحاملوا عليك حتى تبدأ بها، فلك مستندك أيضاً.
فالذي يظهر: أن الأمر في ذلك كله واسع.