للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الأخذ بالأسباب في تربية الأولاد]

لقد جعل الله سبحانه وتعالى للأسباب دوراً في صلاح الأبناء، فمن سلك أسباب الخير فتحها الله له وزاده هدى، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الليل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل:٥] أي: أعطى المال وأنفقه في سبيل الله وفي أوجه الخير {وَاتَّقَى} [الليل:٥] أي: اجتنب محارم الله، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:٦ - ٧] أي: سنهيئه لعمل الخير، فهو قدم خيراً ففتح الله له سائر أبواب من الخير.

وفي المقابل: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:٨ - ٩] فهذا الذي سلك هذه الأسباب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:١٠] أي: سنوفقه ونهيئه لعمل أهل الشقاوة -والعياذ بالله- فإذا سلكت أسباب الهداية والتمستها نور الله لك بصيرتك، وفتح لك أبواباً أخر من أبواب الخير، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩].

وإذا أمعنت النظر في كتاب الله اتضح لك هذا المفهوم وضوحاً جلياً، والله يقول في شأن نبيه موسى صلى الله عليه وسلم: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:١٤] فدل على أنه قدم إحساناً ثم آتاه الله الحكم والعلم، وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:١٤] فلما قدم إحساناً آتاه الله حكماً وآتاه الله علماً.

وكذلك قال الله في شأن الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة:١٢٤] فطمع إبراهيم أن تكون كل ذريته أئمة، فقال: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٢٤]، وفي الآية الأخرى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا} [الصافات:١١٣] أي: إبراهيم وإسحاق {مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:١١٣].

وقال تعالى في شأن بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] فلما قدموا الصبر واليقين جعل الله سبحانه وتعالى منهم هؤلاء.

وقال سبحانه في شأن لوط عليه السلام وقومه الذين آمنوا به: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:٣٥] فلزاماً أن تلتمس الأسباب المؤدية إلى الخير، فإذا التمست هذه الأسباب فتح الله لك أبواب الخير باباً تلو الباب، أما إذا التمست أسباب الشر فكذلك تُهيأ للشر وأعمال أهل الشر، قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة:١٢٧]، وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥]، وقال: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:١٦٦]، وقال: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:٤٤].