للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)

وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧]، ما المراد بالرفث الرفث بصفة عامة: يطلق على الكلام الذي يقال عند مقدمات الجماع، ويطلق على الجماع نفسه كذلك، وهنا المراد به الجماع نفسه.

ومن مجيء الرفث الذي يراد به مقدمات الجماع، ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فقال في شأنه: (إن أخاً لكم ليقول الرفث)، وذلك أنه قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن يمينه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة:١٨٧]، هل كان هذا الرفث حراماً حتى يقال: (أُحِلَّ)؟ كان الأمر في أول فرض الصيام إذا غربت الشمس، لك أن تأكل وتشرب إلى حد أن تنام، مثلاً: لو أن المغرب يؤذن في الخامسة، لك مباح لك أن تأكل وتشرب إلى أمدين: الأمد الأول: إلى أن تنام، أو إلى أن يأتي عليك الفجر، فإذا نمت بعد الساعة الخامسة قبل أن تأكل خمس دقائق أو ساعة حرُم عليك الأكل والشرب إلى اليوم الثاني في المغرب، يعني: إذا نمت مثلاً بعد أذان المغرب مباشرة، فإنه يحرم عليك أن تأكل وتشرب إلى غدٍ وقت الإقطار، ولو نمت في الساعة التاسعة واستيقظت الساعة الحادية عشرة ليس لك أن تأكل ولا أن تشرب.

فكان هناك صحابي يقال له: قيس بن صرمة الأنصاري، كان يعمل، فرجع مجهوداً من العمل، أصابه جهد شديد، رجع إلى بيته فقال لزوجته: هل عندكم طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق أبحث لك عن طعام، فذهبت تبحث له عن طعام، ومن شدة التعب الذي به نام، فلما رجعت ورأته نائماً، علمت أنه لن يأكل ولن يشرب إلا غداً في المغرب، فقالت له: خيبة لك، -ليس المراد بالخيبة على اصطلاحنا- فأصبح من غد صائماً، فلم يستطع أن يواصل فأغمي عليه في النهار، فنزل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ الآية} [البقرة:١٨٧].

وكذلك كان قومٌ يخونون أنفسهم، فهذا عمر رجع يوماً متأخراً إلى امرأته، وأراد منها ما يريد الرجل من امرأته، فقالت له: إني نمت، فقال لها: ما نمت، قال تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} أي: تخونونها {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة:١٨٧].

وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧]، أي: طول الليل، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧]، واللباس هنا: السكن والفراش، ليس كما ترجمه بعض الذين ترجموا القرآن، وهم لا يدرون عن معانيه شيئاً، ترجموه بالإنجليزية فقالوا: ((هُنَّ لِبَاسٌ) أي: هن ( clothes) لكم وأنتم ( clothes) لهن! فهذه الترجمة تنم عن جهل المترجم بروح الدين والشريعة.