فليسوا فرقة واحدة لكن في تفسير الأصول الخمسة وفي أصولها، أصول التوحيد عندهم، أصول العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأصول يتفقون، لكن في التفاصيل يختلفون.
٣- الفرقة الثالثة: الجهمية:
والجهمية يُنْسَبُونَ إلى جهم بن صفوان الترمذي وكان عالماً فقيهاً، يُنْسَبُ إلى الحنفية في الفقه، ولكنه لشدة اعتنائه بالرأي كان يُناظِرُ ويُكْثِر من المناظرة حتى ناظر طائفة من دُهْرِيَّةِ الهند، الدُّهْرِيَّةْ بضم الدال يُنْسَبُونَ إلى القول بالدهر {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٨] ، يُنْسَبُ إلى الدَّهْرِ، دُهري بضم الدال على غير [اعتياد] كما قاله المرتضى في كتاب تاج العروس وقاله غيره.
المقصود ناظره قوم من الدُّهْرِيَّةْ يقال لهم السُّنَّمية في الصفات لأنهم لا يؤمنون بوجود الله أصلاً ويريد أن يقنعهم بوجود الله، فجرى منه معهم مناظرة ذكرتها لكم في مكانٍ آخر، فآل به الأمر، نتيجة المناظرة وتوابعها وما حصل -وقد ذكر أصل القصة البخاري في خلق أفعال العباد-، نتج عن ذلك أنَّهُ نفى الصّفات وعطَّلَ الرب - عز وجل - من صفاته وآمن بالوجود المطلق.
فالجهمية في مسائل العقيدة يذهبون في الصفات إلى النَّفْيِ، فينفون عن الله - عز وجل - كلّ الصفات، ويجعلون الصفة الواحدة الموجودة هي صفة الوجود المطلق، ويقولون بِشَرْطِ الإطلاق.
وفي الأسماء يثبتون الأسماء كدِلالات على الذات -أسماء أعلام- ويفسِّرُونَهَا بمخلوقاتٍ منفصلة، فيجعلون الكريم هو الذات التي حصل عنها إكرام فلان -يعني يفسرونها بالكرم الذي خلقه الله-، القوي بالقوة التي خلقها الله، العزيز بالعزّة التي خلقها الله يعني في الإنسان، في المخلوق يعني من حيث هو، ويجعلون تفسير الأسماء في القرآن وفي السنة يفسرونها بمخلوقات منفصلة؛ لأنه لا دِلَالَةَ للأسماء على صفة، لأنهم ينفون الصفات، وإنما يجعلونها دالة على علم لا تفسير لها من حيث العلمية لكن تفسيرها من حيث الصّفة بأنها مخلوقات منفصلة.
لهذا قال بعض أهل العلم ينفون الأسماء والصفات، الجهمية ينفون الأسماء والصفات، وهذا صحيح باعتبار الحقيقة.
وطائفة يقولون لا، لا ينكرون الأسماء باعتبار أنهم يثبتون شيئاً من الأسماء على طريقتهم لأنَّ عندهم الأسماء دلالات على ذات بدون صفة في الاسم، وإنما هو مثل ما تقول مثلاً (ماء سلسبيل) أو تقول في السيف حسام ومهند وسيف إلخ للدلالة على شيء واحد بدون صفة، أما صفة أنه يحكم فلا، أما صفة أنه صُنِعَ في الهند فلا، أما صفة أنه كذا فلا.
فهم يجعلونها من جهة الدلالة على الذات واحدة ومن جهة الدلالة على الصفات أنها لا تدل على صفة.
ولهذا في الآيات يفسرون الأسماء في الآيات بالمخلوقات المنفصلة، يعني أثر الصفة في المخلوق ويجعلونه مخلوقاً.
أما في الإيمان فالجهمية مرجئة، وهم أشد فِرَقْ الإرجاء لأنهم قالوا يكفي في الإيمان المعرفة فقط.
ففرعون عندهم مؤمن وإبليس عندهم مؤمن.
ولم يكفر فرعون عندهم بعدم الإيمان وإنما بمخالفة الأمر، وإبليس لم يكفر بعدم الإيمان؛ بل بمخالفة الأمر، وهكذا، وهذا القول مشهور عنهم في أنه يَثْبُتُ الإيمان بالمعرفة.
وفي القدر هم جبرية يرون أنَّ الإنسان في أفعاله هو كالريشة في مهب الريح لا اختيار له البتة، هو مُجْبَرٌ على كل شيء، وأنه يُفْعَلُ به ولا يَفْعَلُ شيئاً.
وفي الغيبيات يُنْكِرُونَ كل ما لا يوافق العقل من أمور الغيب.
وفي الآخرة يُنْكِرُونَ دوام الجنة والنار.
يقولون الجنة لا تدوم والنار لا تدوم لأنَّ دوام الجنة والنار ظلم، فتفنى الجنة وتفنى النار معاً.
بخلاف المعتزلة فإنهم يقولون بفناء النار والجنة كدار نعيم وعذاب، لكن التَّلَذُّذُ والألم يبقى، فيستمر التلذذ ويستمر الألم ولا تستمر الدار.
فيه أقوالٌ مختلفة نسأل الله - عز وجل - السلامة منها ومما جَرَّ إليها.
المقصود فيه مباحث ترجعون إليها في مواطنها.
٤- الفرقة الرابعة: الجبرية:
والجبرية مذهبٌ منسوبٌ إلى القول بالجبر.
والجبر هو أنَّ الله أجبر الإنسان المكلف على أفعاله.
والجبرية قسمان:
- جبرية غلاة.
- وجبرية متوسطة أو غير غلاة.
@ أما الجبرية الغلاة فهم الجهمية وغلاة الصوفية الذين ينفون أصل الاختيار، ويقولون أنَّ الإنسان كالريشة في مهب الريح.
@ وأما الجبرية غير غلاة فهم الذين يُثبتون الجبر باطناً والاختيار ظاهراً، يقولون:
هو مجبورٌ في الباطن ومختارٌ في الظاهر، هؤلاء الأشاعرة ومن نحا نحوهم.
وقد مَرَّ مَعَنَا البحث في هذه المسألة وأنهم اخترعوا لفظ الكسب وجعلوه مَخْرَجَاً للعلاقة ما بين جبر الباطن واختيار الظاهر مما ابتدعوه وأحدثوه.
وذكرت لكم أنَّ الكسب على ثلاثة إطلاقات:
فيه كسب عند أهل السنة وكسب عند الجبرية وكسب عند القدرية ترجعون له في مكانه.
٥- الفرقة الخامسة: القدرية: