وقولها:((ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ))، يعني: إذا ركض ركضَت، فسبقته لما رأت أنه لا يريد أن يذهب لشيء، وأنه يريد أن يرجع إلى البيت، فدخلت وجلست في فراشها.
وقوله:((مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً)): عائش ترخيم عائشة، والترخيم هو حذف آخر الاسم، و ((رابية))، يعني: مرتفعة البطن، من النَّفَس الذي يثور، فأرادت أن تخفي ذلك، فقالت:((لَا شَيْءَ))، فقَالَ:((لَتُخْبِرِينِي، أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))، أي: إن لم تخبريني أنت فإن الله سيعلمني بالوحي، فلما رأت أنه لا حيلة لها ((قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ- بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي- فَأَخْبَرتُهُ، فقال: ((فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي، قُلْتُ: نَعَمْ فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي))، من باب التأديب، واللهد: هو الضرب في الثديين وأصول الكتفين (١).
ثُمَّ قَالَ:((أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ))، أي: أَخِفْتِ من الجور، فخفتِ أن أذهب إلى بعض نسائي؟
وقوله:((قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا، وَإِنَّا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- بِكُمْ لَلَاحِقُونَ)): قد يحتج به الجمهور الذين يقولون: إن المرأة لها أن تزور القبر؛ لأنها قالت:((كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ))، فلم ينكر عليها، ولم يقل لها: لا تزوري القبور.
لكن هذا مجمل، ويحتمل أنه كان قبل النهي، أو إذا مرت وهي ماشية في طريقها.