للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقولها: ((قَدْ سَنَّ) يعني: شرع؛ لأنه إذا قيل: سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اصطلاح المتقدمين، فتشمل الواجب، والمستحب، أما المتأخرون فاصطلحوا على تسمية السُّنة بالمستحب، والواجب يسمونه واجبًا.

والطواف بين الصفا والمروة، ظاهر النصوص أنه ركن (١): ((مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ، وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ)).

وقال آخرون: الطواف بين الصفا والمروة واجب، يجبر بدم (٢).

وقيل: سنُّة (٣).

والصواب: أنه ركن.

وفي هذه الأحاديث: بيان دقة فهم عائشة رضي الله عنها، وفقهها في دين الله عز وجل.

وفيها: أن معرفة سبب النزول قد يتوقف عليه فهم معنى الآية، فعُروة بن الزبير رضي الله عنه فَهِمَ من قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} أنه لا حرج في ترك الطواف بين الصفا، والمروة، فبينت له عائشة رضي الله عنها سبب النزول، فقالت له: ((وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَانَ ذَاكَ؟ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةُ، ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُونَ)) (٤)، فلما جاء الإسلام خافوا وظنوا أنه لا يطاف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطَّوَّف بهما}.

والطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، ولا يلزم من كون المسلمين يطوفون بهما أن يكون هذا مشابهًا لفعلهم في الجاهلية.

وفيها: أن أبا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أعجبه فهم عائشة


(١) الشرح الكبير، للدردير (٤/ ١١٧ - ١١٨)، مواهب الجليل، للحطاب (٣/ ٨٤)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي (٤/ ٩٧)، المغني، لابن قدامة (٣/ ٣٥١).
(٢) بدائع الصنائع، للكاساني (٢/ ١٣٣).
(٣) المغني، لابن قدامة (٣/ ٣٥١ - ٣٥٢).
(٤) أخرجه مسلم (١٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>