وقيل: المعنى: لا هجرة فضلها كفضل الهجرة من مكة إلى المدينة.
وقوله:((وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ))، يعني: انتهت الهجرة من مكة إلى المدينة، وبقي من الأعمال الصالحة: الجهاد، ونية الخير.
وقوله:((وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا))، يعني: إذا استنفر الإمام شخصًا للجهاد وجب عليه؛ لأن الجهاد فرض كفاية، وهو مستحب لكل أحد، إلا في أحوال ثلاثة:
الأولى: إذا استنفر الإمام واحدًا وجب عليه الجهاد بعينه.
الثانية: إذا وقف في الصف فليس له أن يخذل إخوانه ووجب عليه الجهاد، لكن قبل أن يقف في الصف فهو في حِلٍّ.
الثالثة: إذا داهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين وجب الجهاد على كل أحد رجالًا، ونساءً، ولا يُستأذن الأبوان، فإن لم يستطيعوا إخراج العدو وجب على من حولهم من البلدان، وهكذا حتى يجب على المسلمين جميعًا.
وقوله:((إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن حرمة هذا البلد، وأنه لا يحل القتال فيه إلى يوم القيامة.
وقوله:((وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا))، يعني: لا يُحَشُّ حشيشُهُ، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد، ليعرفها أبد الدهر، والآن توجد لجنة تقبل المفقودات جهة الصفا فيسلمها إليهم، وتبرأ ذمته، وهذا من خواص مكة.
وأما غير مكة فيعرِّفها سَنَة، وبعد السَّنَة يتملكها، ويضبط أوصافها، وإن جاء طالبها بعد الدهر دفعها له، وإلا فهي له.
وقوله:((وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي)) فيه: تحريم القتال في مكة، إلا إذا قوتل أهل مكة فإنهم يدافعون عن أنفسهم، كما قال الله تعالى:{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}،