للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلهما)) (١).

وقول القاضي: ((أجمعوا على أن موضع قبره عليه السلام أفضل بقاع الأرض)) غلط، ولا يوجد فيه إجماع؛ لأن الفضيلة ليست للبقعة، وإنما الفضيلة لجسد النبي صلى الله عليه وسلم.

والتحقيق في هذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) لما سئل عن التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم: هل هي أفضل من المسجد الحرام؟

فأجاب: ((وأما التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحدًا من الناس قال: إنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى، إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعًا، وهو قولٌ لم يسبقه إليه أحد فيما علمناه، ولا حجة عليه، بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد، وأما ما منه خُلق، أو ما فيه دُفن فلا يلزم إذا كان هو أفضل أن يكون ما منه خلق أفضل؛ فإن أحدًا لا يقول: إن بدن عبد الله أبيه أفضل من أبدان الأنبياء، فإن الله يخرج الحي من الميت، والميت من الحي، ونوح نبيٌ كريم، وابنه المغرَق كافر، وإبراهيم خليل الرحمن، وأبوه آزر كافر، والنصوص الدالة على تفضيل المساجد مطلقة لم يُستثنَ منها قبور الأنبياء، ولا قبور الصالحين، ولو كان ما ذكره حقًّا لكان مدفن كل نبي، بل وكل صالح أفضل من المساجد التي هي بيوت الله، فتكون بيوت المخلوقين أفضل من بيوت الخالق التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)) (٢).

((وسئل عن رجلين يتجادلان، قال أحدهما: إن تربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من السماوات والأرض، وقال الآخر: الكعبة أفضل، فمع مَن الصوابُ؟ فأجاب: الحمد لله، أما نفس محمد صلى الله عليه وسلم فما خلق الله خلقًا أكرم عليه منه،


(١) شرح مسلم، للنووي (٩/ ١٦٧).
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (٢٧/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>