فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عَنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا، وَعَنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَكَيْتُ، فقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ! فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا، وَلَكَ الْآخِرَةُ؟ ! )).
في هذا الحديث: فضل ابن عباس رضي الله عنهما، وهو من صغار الصحابة، وتقديره لعمر رضي الله عنه؛ لأن عمر رضي الله عنه مهيب؛ ولهذا هاب أن يسأله سَنَةً، فنهاه عمر رضي الله عنه، فينبغي للإنسان أن لا يهاب من سؤال أهل العلم عما أشكل عليه؛ إذا كان قصده الفائدة، ولم يكن قصده التعنت، وإيذاء المسئول، أو إيقاعه في الحرج، أو قصده الرياء بسؤاله، أو غير ذلك من مقاصد سيئة.
وقوله:((فَلَا تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عَنْدِي مِنْ عِلْمٍ، فَسَلْنِي عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ)): هكذا هم أهل العلم، لا يدخرون ولا يكتمون علمهم، فما كان لديهم يبينونه للناس، قال الله تعالى:{لتبيننه للناس ولا تكتمونه}.