للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

روحه إلى النار، ولها صلة بالجسد؛ فالروح لا تموت ولا تفنى، فقد خُلقت للبقاء؛ ولهذا فهي تكلم الملائكة، قال: ((تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ))؛ إذن فالروح تخاطب وتتكلم، والجسد قد مات؛ ولهذا إذا بُعثت الأجساد وأمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور جاءت الأرواح إلى أجسادها، فهي باقية؛ ولهذا فالملائكة تخاطب الروح، تقول: ((أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِي: أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ) يعني: أن هذا الرجل كان يداين الناس، فَيُنظر المعسر الفقير، ويصبر عليه وينتظره ولا يطالبه، ويتجوز عَنِ الموسر، ويتسامح في قضاء الدين والاستيفاء، فيتسامح عن نقص يسير، فقال الله: ((تَجَوَّزُوا عَنْهُ)).

وفيها: دليل على أن هذا العمل عمل صالح، كون الإنسان يحسن معاملة الناس، وييسر عليهم، ويُنظر المعسر الفقير، فيصبر عليه ولا يؤذيه بالمطالبة، ويتجوز عَنِ الموسر، ولا يشدد في الطلب، ويتسامح عن نقص يسير، وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى)) (١).

وفيها: دليل على أن من أسباب تجاوز الله عَنِ العبد ومغفرته لذنوبه: إنظار المعسرين والتجاوز عَنِ الموسرين.

وفيها: أن هذا الرجل دخل الجنة، والمعنى: أن هذا من المؤمنين، فلو كان غير مؤمن ما دخل الجنة، لكن النصوص يضم بعضها إلى بعض، والمعنى: أن هذا العمل الصالح كان مع الإيمان بالله ورسوله، وقد ثبت في الحديث عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر مناديًا أن ينادي في بعض الغزوات: ((أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)) (٢)، أما الكافر فإنه وإن عمل ما عمل من الخير


(١) أخرجه البخاري (٢٠٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٣٠٦٢)، ومسلم (١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>