فإنه يجازى به في الدنيا، لكنه لا ينفعه في الآخرة، ولا ينجيه من النار إذا مات كافرًا.
وأما قوله:((إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا)): ففيه: دليل على أن هذا الرجل محتسب.
وفيه: استحضار النية، وأنه إذا استحضر النية فهو أفضل ويكون له أجر زائد.
وأما قوله:((أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ))، يعني: أن أبا قتادة كان له غريم، أي: صاحب دَين، فتوارى عنه، واختفى، ومن عادة المدين أنه يختفي عن دائنه؛ خوفًا من المطالبة، ثم لقيه، فقال له: أين كنت؟ فقال:((إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ)).
وفيه: أن الجزاء من جنس العمل، فمن نفَّس عن معسر كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كرب يوم القيامة، وشدائدها، والتنفيس عَنِ المعسر، يعني: الصبر عليه والانتظار وعدم المطالبة، والوضع عنه، يعني: السماح بإسقاط بعض الدين، والأول واجب، والثاني مستحب، قال الله تعالى:{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم}، وهو خبر بمعنى الأمر، وهذا من المواضع التي تكون فيها النافلة أفضل من الفريضة، والقاعدة: أن الفرائض أفضل من النوافل، لكن في بعض الأحيان تكون النافلة أفضل من الفريضة، وإسقاط الدين عَنِ المعسر نافلة، والصبر عليه والانتظار وعدم المطالبة هذا فريضة، والنافلة أفضل من الفريضة هنا.
وهذا إذا لم يكن للمدين حيلة، وكان غير مماطِل، فهذا معذور، أما المماطل الذي عنده مال، فهذا يُحبَس من قبل الحاكم، ويُلزَم بقضاء الدين، كما سيأتي الحديث:((مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ)).