وهذا الحديث فيه: شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يركض بغلته إلى الكفار، وكان العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بخطامها؛ لئلَّا تذهب إليهم وهو يركض، ثم نزل عليه الصلاة والسلام ونوَّه عن نفسه:((أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))، ينسب نفسه إلى جده عليه الصلاة والسلام؛ لأن جده معروف عند العرب، بخلاف أبيه عبد الله؛ فإنه مات شابًّا، والجد أب؛ فالمعنى واحد، قال تعالى:{واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يلوذون به صلى الله عليه وسلم.
وفيه: تحريم العُجب بالنفس، وأن العُجب سبب في الهزيمة، كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {، ثم تداركهم الله بعد ذلك، قال الله: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فأنزل الله الجنود لتقاتل كما في بدر، وأنزل الله السكينة والطمأنينة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين، وغنموا غنائم عظيمة من الإبل ومن الغنم، وسَبَوا- أيضًا- نساء هوازن وذراريهم.
ثم بعد ذلك انتظرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضع ليالٍ فأتوا تائبين، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم سبيهم، وأما الأموال فقسمت.
[قول البراء رضي الله عنه:((وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ، وَكَانَتْ هَوَازِنُ- يَوْمَئِذٍ- رُمَاةً)) في الرواية المتقدمة: ((لا وَاللَّهِ، مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ، وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلاحٍ)) يريد: أن الذين ولوا هم شبان جاءوا وليس معهم سلاح.
وفي قوله:((أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)): دليل على أن الانتساب إلى الآباء ولو كانوا كفارًا لا بأس به؛ لأنه إخبار عن الواقع، ويترتب عليه معرفة الأنساب والمواريث والعصبات والمحارم.] [*]
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ورد ما بين معكوفين في الأصل الإلكتروني