للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيها: دليل على جواز مصالحة الكفار عند الحاجة، وقد صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فأخذ بعض العلماء أنه لا يجوز الصلح مع الكفار أكثر من عشر سنين، وقال بعضهم: يجوز الصلح دون تحديد مدة، ولكنه لا يجوز الصلح الدائم (١).

وفيها: جواز قبول الشروط التي فيها غضاضة على المسلمين إذا كان فيها مصلحة، فإن قريشًا صالحت النبي صلى الله عليه وسلم واشترطوا شروطًا فيها غضاضة على المسلمين، منها: أن من جاء منهم من أهل مكة مسلمًا فإن المسلمين يردونه عليهم، ومن جاء من المسلمين مرتدًّا فإنه لا يُرد عليهم.

وفيها: أن بعض الصحابة امتعض من غضاضة هذه الشروط، حتى إن عمر رضي الله عنه اشتد عليه الأمر، وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ! ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا))، ثم بعد ذلك لم يصبر، فذهب إلى أبى بكر رضي الله عنه، ((فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ! فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِثْلَ مَقَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَهُ صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على الفقه العظيم لأبي بكر رضي الله عنه، والصبر والقوة في الحق، والتميُّز على عمر رضي الله عنه، وفي رواية: ((فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ)) (٢).

وهذه الشروط التي قبلها المسلمون صار فيها الخير والمصلحة والفتح والبركة، فقد وضعت الحرب أوزارها، واختلط المشركون بالمسلمين،


(١) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (٨/ ٣٩ - ٤١)، المغني، لابن قدامة (٨/ ٤٥٩)، جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، للأبي (١/ ٢٦٩)، شرح روض الطالب (٣/ ٢٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٧٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>