صبروا رضي الله عنهم، وجاهدوا ونشروا دين الله، فكانت العاقبة الحميدة لهم في الدنيا والآخرة، مصَّروا الأمصار، وفتحوا البلدان، وكسروا ملك كسرى، وقصروا ملك قيصر، وجاءتهم الدنيا بعد ذلك وهي راغمة، كما قال: أبو هريرة رضي الله عنه: ((وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا)) (١)، يعني: تستخرجونها.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية تأخذ أخبار الكفار وعيونهم، فيؤخذ منه بعث الإمام السرايا إلى العدو يتطلعون ويأخذون الأخبار.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فيؤخذ منه مشروعية تأمير الأمير على السرية، وكذلك يُؤمِّر المسافرون عليهم أميرا ينصح لهم، كما ينصح الأمير الرعية، ويجب عليهم السمع والطاعة له.
وذهب بعض العلماء إلى أن كل رفقة تسافر يجب أن يُؤمِّروا عليهم أحدهم، ولو كانوا ثلاثة، يسمعون له ويطيعونه، وينصح لهم حتى لا يختلفوا.
وفيه: أن الأمير ينصح لهم ويتولى أمورهم؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا عبيدة رضي الله عنه، وأعطاه جرابًا من تمر، فكان يوزع منه على الجيش، وكانوا ثلاثمائة، يوزع عليهم في أول الأمر قبضة قبضة، في كل يوم، ثم لما قل التمر صار يعطيهم تمرة تمرة، فلما سئل الصحابي: ماذا تفعلون بهذه التمرة؟ قال: كنا نمصها ثم نشرب عليها الماء، وكنا نضرب الخبط بعِصِيِّنا، ونَبُلُّه بالماء ونأكله، وهذه شدة عظيمة أصابتهم، علمتهم معنى الصبر.
ثم بعد ذلك لما أقبلوا على ساحل البحر رأوا من بعيد شيئا عظيما ككثيب الرمل، فلما وصلوا إليه وجدوه دابة عظيمة تسمى العنبر، جزر عنها البحر ونفضها فماتت، فلما أقبلوا عليها قال أبو عبيدة رضي الله عنه: هذه ميتة، - والميتة