للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}، فأحل بعض المحرمات، وأما بقية الأحكام فباقية، وكما أخبر الله تعالى عن الجن أنهم لما سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}، مع أن عيسى عليه السلام نزل عليه الإنجيل بعده، لكن الإنجيل كتاب مواعظ وعبر، والتوراة كتاب أحكام.

وقوله: ((يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا)): فيه دليل أن ورقة رضي الله عنه آمن، فيكون أول من آمن من هذه الأمة ورقة بن نوفل، وجاء في السيرة أبيات لورقة، قال فيها (١):

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ ... أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ

وذكر أبياتًا له فيها أنه يعلم أنه كبير السن، وأنه على قرب الوفاة؛ ولهذا ما لبث أن توفي رضي الله عنه، لكنه آمن، وتمنى أن ينصر النبي صلى الله عليه وسلم حين يخرجه قومه.

وقوله: ((فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا)) على صيغة المجهول من الجأث، بالجيم والهمزة والثاء المثلثة، جئث جأثا: فزع، وقد جُئث إذا أُفزع، فهو مجؤوث أي: مذعور، والمعنى: رعبت وفزعت (٢).

وقوله: ((زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي) يعني: غطوني، غطوني، وفيه: دليل على أن {يا أيها المدثر} نزلت بعد فترة الوحي، وأن أول ما نزل: {اقرأ باسم ربك}.

وقوله: (({وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}) أي: عظم ربك بالتوحيد.


(١) البداية والنهاية، لابن كثير (٧/ ٨)، السيرة النبوية، لابن هشام (٥/ ١٠٧).
(٢) لسان العرب، لابن منظور (٢/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>