وقوله:((الحنتم)): هي الجِرار المطبوخة بالطين مثل: الأزيار التي يُوضَع فيها الماء ليُبرَّد.
وهذه الأوعية ثقيلة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام أن ينتبذوا فيها؛ لأنه إذا نُبِذَ فيها النبيذ ووُضِع فيها العصير تخمَّر، وربما شربه الإنسان وهو لا يدري أنه مُسكِر، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا في الأوعية الرقيقة كالأسقية والجلد، فإنها إذا نُبِذَ فيها النبيذ وتخمَّر تشقَّقت وتمزَّقت، فيعرف الإنسان أن ما فيها قد صار مُسكِرًا، بخلاف الظروف الثقيلة الكثيفة.
وقوله:((والمَزَادَةُ المَجْبُوبَةُ)): المزادة هي: القِربة المجبوبة التي ليس لها عزلاوان في أسفلها، مقطوعة الرأس، وليس لها شيء يتنفَّس فيه الشراب.
وقوله:((ولَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقَائِكَ)): السقاء من الجلد.
وقوله:((وَأَوْكِهِ))، يعني: اربِط فمه، والوِكاء هو: الرباط؛ فإنك إذا جعلت النبيذ في السقاء في الجلد وربطت فمه، ثم تخمَّر يتمزَّق، بخلاف إذا لم يربط الفم.
وقوله:((أَمَا ذَكَرَتِ الْحَنْتَمَ وَالْجَرَّ؟ )): الحنتم والجر هو المطبوخ من الطين والمدر، مثل: الزير المطبوخ من الفخَّار والطين، يُطبَخ ويكون صلبًا، يُصَب فيه الماء ليُبرَّد، وذلك قبل أن تُوجَد الثلاجات.
وقوله:((نَهَى عَنِ الجَرِّ أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ)): نهى عنه؛ لأن الجر خفيف، والمطبوخ من الطين كثيف، فإذا نُبِذَ فيه النبيذ تخمَّر بعد يومين، أو ثلاثة، ولا ينتبه له الإنسان، أما إذا نُبِذ في الجلد وتخمَّر تمزَّق، وتشقَّق، فيعرف الإنسان أن ما فيها قد صار مُسكِرًا.
وقوله:((وَأَيُّ شَيْءٍ نَبِيذُ الْجَرِّ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنَ الْمَدَرِ)): المدر: الطين، يعني: يُطبَخ من الطين، والفخار وهو الطين الذي يُطبَخ ويصير جرَّة يُصَب فيها الماء لتبرده.
في هذه الأحاديث: النهي عَنِ الانتباذ في الظروف الكثيفة، كالدُبَّاء،