وفيه: أنَّ الداعية والعالِم يبدأ بنفسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ))، والنبي صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه، وأخذ معه عشرة، وأبو بكر رضي الله عنه أخذ معه ثلاثة.
وفيه: أنَّ طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، أي: يبارك الله فيه.
وفيه: أنَّ أبا بكر رضي الله عنه وكَّل أمْرَ الضيافة إلى ابنه عبد الرحمن رضي الله عنه، وهو دليل على أنه لا بأس بالإنسان إذا كان عنده ضيوف، وعنده مَن يقوم مقامه ويسُدُّ مسدَّه، أن يذهب لحوائجه وأعماله وأشغاله؛ اكتفاءً بمَن ينوب عنه، فأبو بكر رضي الله عنه أخذ ثلاثة أضياف، ووكل أمرهم إلى ابنه عبد الرحمن، وذهب هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، وملازمته له في ليله ونهاره، وحلِّه وترحالِه.
وفيه: دليل على أنهم كانوا يتعشون قبل العشاء، وهذه عادة الصحابة، وعادة العرب، كان العشاء بعد العصر قبل المغرب، وإذا تأخَّر يكون بعد المغرب، أما بعد صلاة العشاء فليس إلا النوم، ينامون مُبكرِّين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء آوَى إلى فراشه، ثم يستيقظ آخر الليل، لكن الآن قد تغيَّرت الأحوال، وحدثت الأعمال والوظائف، واتسعت البلدان، وصار العَشاء في منتصف الليل، أو بعد ثلثي الليل خاصة عند أهل المدن، وأما الفلاحون وأهل الريف فكثير منهم لا يزالون محافظين على عادة القدماء.
وفيه: أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما اختفى عن أبيه؛ لأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان فيه شدة وقوة، وهو يخشى من غضبه عليه، فناداه أبو بكر رضي الله عنه، وقال:((يا غُنْثَرُ)): من شدة غضبه عليه، وهي كلمة تُطلَق على الجاهل، أو اللئيم، أو السفيه، فسكت عبد الرحمن وكرَّر عليه، وجدَّع، أي: دعا عليه، وكأنه يقول له: جدع اللهُ أنفَك، وسبَّه.