للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ))، ثم روى الحديث (١).

والقدر له أربع مراتب: العلم، والكتابة، والإرادة، والخلق، فالله تعالى علم الأشياء قبل كونها، ثم كتبها في اللوح المحفوظ، ولا يقع شيء إلا إذا أراد الله وقوعه، ثم يخلقه سبحانه ويوجده في الوقت الذي قدر أن يوجد فيه.

وقوله: ((وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، يعني: إذا عرف أن شخصًا أصاب شخصًا بعينه فإنه يؤمر بالاسغتسال، ويجب عليه أن يغسل، وجاء في السنة أنه يغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه وداخلة إزاره- وهو: الطرف المتدلي تحت حقوه الأيمن- ثم يصب على رأس الْمَعِينِ، وظهره من خلفه، ويُكفأ الإناء من خلفه، فيشفى بإذن الله (٢)، ويؤمر- أيضًا- أن يأتي ويبرك عليه ويدعو له ويرقيه، وإذا امتنع فإنه يلزم من قبل ولاة الأمور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا)).

قال المازري رحمه الله: ((وقد اختلف في العائن هل يجبر على الوضوء للمعيون أم لا؟ واحتجّ من قال بالجبر بقوله في الموطأ ((توضّأ له)) (٣)، وبقوله في مسلم ((إذا استغسِلتم فاغسِلوا)) وهذا أمر يحمل على الوجوب.

ويتَّضِح عندي الوجوب ويبعد الخلاف فيه إذا خُشي على المَعِينِ الهلاك، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به، أو كان الشرع أخبر به خبرًا عامًّا، ولم يمكن زوال الهلاك عن المَعِينِ إلا بوضوء هذا العائن فإنه يصير من باب مَن تعيَّن عليه إحياء نفس مسلم، وهو يجبر على بذل الطَّعام الذي له ثمن ويضرُّ بذله فكيف بهَذا! ! هذا مما لا يرتفع الخلاف فيه)) (٤).


(١) أخرجه مسلم (١١).
(٢) أخرجه أحمد (١٥٩٨٠)، والنسائي في الكبرى (٧٦١٨)، وابن ماجه (٣٥٠٩).
(٣) أخرجه مالك في الموطأ (١٦٧٨) بلفظ: ((فتوضأ له عامر)).
(٤) المعلم، للمازري (٣/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>