للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَاهَامَةَ))، أي: لا عدوى على الوجه الذي كان يعتقده أهل الجاهلية، وهو أن المرض يُعدي بطبعه وذاته من غير مشيئة الله وقدره وإرادته.

وأما حديث: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) وحديث: ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَد)) (١) وحديث وفد ثقيف ((إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) وحديث الطاعون: ((فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ))، فهذه محمولة على أنها من باب اجتناب أسباب الهلاك، والأسباب قد يحصل لها مسبَّبٌ وقد لا يحصل، فالنبي صلى الله عليه وسلم بنصحه وإرشاده للأمة نهى أن يورد ممرض على مصح، وهو أن يورد صاحب الإبل المريضة على إبل صحيحة؛ لأنه قد يقدر الله أن ينتقل إليها المرض، وقد لا تنتقل، لكنه سبب، وقد يحصل المسبَّبُ إذا قدر الله، وكذلك أمره بالفرار من المجذوم فهذا كله من باب الأمر باجتناب أسباب الهلاك.

ومن العلماء من قال: إن حديث: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) وحديث: ((وفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ)) (٢) وحديث وفد ثقيف- إنها منسوخة بحديث أبي هريرة، وأنه ليس هناك شيء يعدي، فلا يفر الإنسان من المجذوم، ولا بأس أن يورد ممرض على مصح.

ولكن هذا قول مرجوح؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا بشرطين (٣):

الشرط الأول: عدم إمكان الجمع، وقد أمكن.

الشرط الثاني: معرفة التاريخ.

ومن العلماء من قال: إنما أمر بأن يُفَرَّ من المجذوم كالفرار من الأسد، من أجل رائحته الكريهة، وقُبحِ صورته، لا من أجل أنه يُعدي، وهذا- أيضًا- قول مرجوح.


(١) أخرجه البخاري (٥٧٠٧).
(٢) أخرجه البخاري (٥٧٠٧).
(٣) الوجيز، للزحيلي (٢/ ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>