للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الجدار لقوم لئام امتنعوا عن ضيافتنا، فخذ أجرة ما بنيته لهم! فقال له الخضر عند ذلك: {هذا فراق بيني وبينك}، وأخبره أن هذا الجدار كان تحته كنز ليتيمين في المدينة، والله تعالى قدَّر أنهما سيعيشان، ويبلغان الحلم، ويأخذان هذا الكنز، فأراد أن يبنيه حتى يكون علامة، لأنه لو سقط لاندثر وضاع الكنز، ثم بين له الخضر أن علم الله واسع لا يحيط به أحد، وقال: ((يَا مُوسَى: إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لا تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لا أَعْلَمُهُ)) (١)، ((مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الخَلائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا العُصْفُورُ مِنْقَارَهُ)) (٢) وقد جاء عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر، والحرف: الطَّرَف، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ {، يعني: متطرفًا في دينه} فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} فالمتطرف في دينه الذي لم يتمكن الإيمان من قلبه إن أصابه خير اطمأن به، وبقي على إيمانه، وإن أصابته فتنة ارتد عن دينه- نعوذ بالله- عند ذلك عرف موسى عليه السلام أن هذا العبد عنده علم ليس عنده.

وقوله: ((وَكَانَ يَقْرَأُ: وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا)): لعل المراد: عن ابن عباس، كما هو في سند الحديث.

وهذه القراءة ليست قراءة سبعية، فتحمل على أنها قراءة تفسيرية، يعني: إن الله قدَّر أن هذا الغلام لو عاش لكان كافرًا، ففيه: دليل على أن الله يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، وهذا كقوله تعالى- عن الكفرة-: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}، حينما طلبوا أن يُرَدُّوا إلى الدنيا، وقال- عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك-: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}، فالله


(١) أخرجه البخاري (٣٤٠١)، ومسلم (٢٣٨٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>