لأن المساكين يملكون سفينة، فالمسكين هو الذي لا يملك ما يكفيه لمدة سنة، وقد يملك بعض الشيء، فهؤلاء المساكين لهم سفينة، وهذا الملك الظالم يأخذ السفينة الصالحة والسفينة التي فيها عيب لا يأخذها، فأراد الخضر أن يجعل فيها عيبًا حتى تبقى للمساكين، فارتكب الخضر المفسدة الصغرى تلافيًا للمفسدة الكبرى، فهنا مفسدتان: إما أن لا يخرقها ويتركها صالحة ويترتب عليه أن الملك سيأخذ السفينة كاملة، أو أن يجعل فيها عيبًا، وتبقى للمساكين.
ثم جاءت المسألة الثانية- وهي أعظم وأشد- وذلك أن موسى والخضر نزلا من السفينة وصارا يمشيان على الساحل فمرا على صبيان يلعبون، ومعهم غلام فأخذ برأسه واقتلعها وألقاها كالكرة بين يديه، فانزعج موسى انزعاجًا عظيمًا، فقال:{أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جئت شيئًا نُكرًا}، أي: أمرًا منكرًا عظيمًا، فشدد عليه الخضر، فقال له:{ألم أقل لك} فأكد هنا، وفي الأولى قال:{ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا} وهذه المرة قال: {ألم أقل لك} بزيادة لك، فكان الإنكار أشد.
ثم أخبره بعد ذلك أن الله أوحى إليه أن هذا الغلام طُبع يوم طبع كافرًا، وأنه لو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا، وأن الله أمره بذلك وأن الله سيبدل والديه من هو خير منه؛ ويمنعهما من شره؛ لأنه لو عاش لصار شرًا على والديه، وأرهقهما طغيانًا وكفرًا، فقال له موسى في المرة الثانية:{إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني}، أي: إن عارضتك غير هذه المرة، أو أنكرت عليك غير هذه المرة فأنت معذور في ترك صحبتي.
ثم جاءت المرة الثالثة فنزلوا قرية- يذكر أنها أنطاكية أو غيرها- واستطعما أهلها فأبوا استضافتهم، وكانوا قومًا لئامًا فلم يضيفوهم، فوجدا فيها جدارًا آيلًا للسقوط، فقام الخضر يبنيه ويقيمه، فقال موسى: كيف تبني