هن لا يُعرفن ولا يُعرف أزواجهن، لكنهن في وقتهن حينما تكلمن كانت كل واحدة منهن تعرف الثانية، وتعرف زوجها فقد اغتابت كل واحدة زوجها، بأن ذكرت مثالب زوجِها، لكن إذا كان في الجاهلية وكُنَّ على الشرك فهو أشد من الغيبة.
وقولها:((قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ)): هذه المرأة تعيب زوجها، فتقول: هو ((لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ))، يعني: هو كلحم الجمل، لا كلحم الضأن، فلحم الجمل قوي يتعب آكله، بخلاف لحم الضأن، وهو مع هذا لحم مهزول، ليس بالسمين، ثم هذا اللحم فوق رأس جبل، وهذا الجبل ليس سهلًا حتى يرتقي إليه الإنسان ويأخذ منه اللحم، وليس لحم الجمل هذا سمينًا حتى ينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه، بل يتركوه رغبة عنه لرداءته.
فهي تشير بهذا إلى أن زوجها سيئ الخُلق، ومع ذلك فهو متكبر عليها، ولا يُستفاد منه، ولا يؤدي حقها، فهو ضرر محض بغير نفع، مثل لحم الجمل الذي هو قوي يشق على آكله ويتعبه.
وقولها:((قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ))، يعني: لا أفشي سره، ((إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ)): إذا كان الضمير يعود إلى الخبر يكون المعنى: إن خبره طويل، لو بدأت فيه لا يمكن أن أكمله من طوله، ((إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَه وبُجَرَه))، أي: عيوبه، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الزوج، فيكون المعنى: إن زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن يطلقني فأَذَرَه، يعني: تخاف أن يُطلقها إذا ذكرت خبرَه، وعُجَرَه، وبُجَرَه، وعُيوبَه، وعليه تكون (لا) هنا زائدة، كما في قوله تعالى:{ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}، أي: أن تسجد، بدليل الآية الأخرى:{ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}.