وقوله:((مَا أَنَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ)): كذا في هذه النسخة، وفي بعض النسخ:((مَا آنَ))، وهما لغتان، أي: ما حان، وفي نسخٍ أُخَرَ:((أَمَا)) بزيادة ألف الاستفهام، يعني: أَمَا آن للشخص أن يخبرني عن حاله وعن حاجته؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه: إن عاهدتني ألا تخبر أحدًا وتكتم عني أمري أخبرتك، فعاهده عليٌّ رضي الله عنه على ذلك، فقال له حينئذٍ: أخبرني عن هذا الرجل الذي يدعي النبوة، فقال علي رضي الله عنه: إنه رسول الله حقًّا. وقد أحسن الله تعالى بأبي ذر رضي الله عنه؛ حيث وفقه لملاقاة علي رضي الله عنه، دون غيره.
وقوله:((فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتَّبِعْنِي، حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ)): يقول علي لأبي ذر رضي الله عنهما: إذا كان الصباح فاتبعني، لكن إذا خفتُ عليك شيئًا قمت كأني أبول، فإذا مضيت في سيري فاتبعني، فقد زال الخوف، حتى أدخل المكان الذي أقصده، وادخل حيثما دخلت، وهذا يدل على شدة الخوف الذي كانوا يقاسونه في أول الإسلام.
قوله:((فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ))، يعني: فانطلق أبو ذر يتبع عليًّا رضي الله عنهما، حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع أبو ذر رضي الله عنه ما سمع من قول النبي صلى الله عليه وسلم أسلم في الحال، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حينئذٍ:((ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي))، يعني: ارجع إلى قبيلتك غفار، وادعهم إلى الإسلام حتى يظهره الله تعالى، ثم تأتي بعد ذلك.