في هذين الحديثين: أن جُرَيْجًا هذا كان من عُبَّاد بني إسرائيل فيمن قبلنا، اتخذ ديرًا أو صومعة أو كنيسة، وهو المعبد الذي يتعبد فيه العابد من بني إسرائيل، ينعزل فيه عن الناس، ويترك الدنيا، ويصلي الليل والنهار، وإذا جاءه شيء من المال أنفقه.
وفيهما: أن جريجًا كان يتعبد في صومعته، فجاءته أمه، ونادته ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول:((اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي))، ثم يختار صلاته اجتهادًا منه، ظنًّا منه أن الصلاة مقدمة على إجابة والدته، وأن إجابته لوالدته قد تشغله عن العبادة، فلما فعل ذلك ثلاث مرات دعت عليه، وقالت:((اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ))، يعني: الزانيات، فاستجاب الله دعاءها.
وفيهما: دليل على أن دعوة الوالدة مستجابة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ))، أي: لو دعت عليه أن يقع في الزنا لوقع، ولكنها دعت عليه أن لا يميته الله حتى ينظر إلى وجوه المومسات، وهذا أهون، وقد استجاب الله دعاءها فنظر إلى وجه هذه البغي.
وفيهما: دليل على عظم حق الوالدين وخاصة الأم، وأنه ينبغي للإنسان أن لا يُلجئ والديه للدعاء عليه، وفيهما شاهد للحديث الآخر:((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)) (١).
وفيهما: دليل على أن المصلي نفلًا إذا دعاه أحد الوالدين وجب عليه أن يجيبه ولو كان في الصلاة؛ لأن الاستمرار في الصلاة تطوع، وإجابة الأم أو الأب واجبة، وعقوقهما حرام، فإن كان في صلاة فرض فلا يجيبهما، بل
(١) أخرجه أحمد (٧٥١٠)، وأبو داود (١٥٣٦)، والترمذي (١٩٠٥)، وابن ماجه (٣٨٦٢).