الجواب الثاني: أنه سماه أبًا من باب المجاز، فكأنه قال: ابنُ ماءِ مَن أنت؟ فأجاب: ابنُ فلان الراعي.
وفيهما: تواضع جريج رحمه الله لما قالوا له: ((نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ))، ولما بُنِيت على هذا صعد فيها وجعل يتعبد.
وقوله:((لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ))، هذا العدد أفاد الحصر؛ فإنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة:
الأول: عيسى عليه السلام، قال تعالى:{قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا}.
الثاني: صاحب جريج تكلم فقال: ((فُلَانٌ الرَّاعِي)): لما سئل: ((مَنْ أَبُوكَ؟ )).
الثالث: الصبي الذي مع المرأة التي كانت ترضعه، ((فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ)): يعنى: دابة قوية نشيطة، وشارة حسنة، يعني: لباسًا حسنًا، فلما مر أعجب أمَّه، فقالت:((اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ))، فترك الصبي الثدي، وقال:((اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ))، ثم مرت بهم جارية، والناس يضربونها، ويقولون:((زَنَيْتِ، سَرَقْتِ))، وهي تقول:((حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ))، فقالت أمه:((اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا))، فترك الصبي الثدي، وقال:((اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا))، فقالت المرأة بعد ذلك:((حَلْقَى))، وهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:((عَقْرَى حَلْقَى)) (١)، والمعنى: حلق الله شعرك، عقرك الله، وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه.
فائدة: لم يذكر من الثلاثة الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب وقصة أصحاب الأخدود لأن الصبي لم يكن في المهد بل كان أكبر من صاحب المهد، أفاده النووي.