للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: ((فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ)): فيه: دليل على أن الصلاة كانت مشروعة في الأمم السابقة، وفي الحديث الآخر: ((هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِي)) (١)، فلما صلى ودعا الله أن يبرئه مما أُلصق به من العار زورًا وظلمًا استجاب الله دعاءه.

وقوله: ((فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ يَا غُلَامُ: مَنْ أَبُوكَ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي)): هذه كرامة من الله تعالى لجريج، ولعلها تكون كفارة لذنبه؛ لأنه لم يجب أمه لما دعته، وقد اجتهد في هذا ظنًّا منه أنه الأفضل، وفي الكرامة نطق الصبي الصغير، دليل على قدرة الله العظيمة، وأن الله على كل شيء قدير، كما أخبر تعالى عن نفسه فقال: {إنما أمره أن أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}.

لكن يرد هنا إشكال: كيف يقول جريج للصبي: ((مَنْ أَبُوكَ؟ )): وينسبه إلى أبيه، والزاني لا أب له، ولا يلحق ولد الزنا بمن زنى بأمه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد بن زمعة لما قال سعد بن أبي وقاص: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا وَلَدُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ بِهِ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ)) (٢)، فالزاني لا ينسب إليه الولد، فكيف يقول جريج: من أبوك وينسبه إلى أبيه؟ .

وقد أجاب النووي رحمه الله (٣) عن هذا بجوابين:

الجواب الأول: أنَّ هذا جائز في شريعة من قبلنا، فكان الولد ينسب إلى من فعل الفاحشة.


(١) أخرجه ابن ماجه (٤٢٠)، والدارقطني (٢٦٣).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢١٨)، ومسلم (١٤٥٧).
(٣) شرح مسلم، للنووي (١٦/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>