للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: هذا تفسير الأشاعرة والجبرية، فهم يقولون: إن الظلم مستحيل على الله تعالى، ونحن نقول: كيف يحرم الله شيئًا مستحيلًا؟ ! وقد قال تعالى: {فلا يخافون ظلمًا ولا هضمًا}، فكيف يؤمَّن العباد من شيء مستحيل؟ !

وإنما قالوا ذلك لأن الظلم عندهم مخالفةُ الآمر، أو تصرف المالك في غير ملكه، ولهذا- والعياذ بالله- لزم من مذهبهم أنه يجوز على الله أن يقلب التشريعات، والجزاءات، فيجعل الشرك توحيدًا والتوحيد شركًا، والعفة محرمةً والزنا واجبًا، هكذا يقولون، وهذا من جهلهم وضلالهم، وقبلهم المعتزلة قالوا: كل ما كان من العباد ظلم وقبيح فهو من الله تعالى ظلم وقبيح لو فعله.

وأما أهل الحق فعرَّفوا الظلم بأنه: وضع الشيء في غير موضعه، كأن ينقص أحدًا من ثواب حسناته، أو يحمله أوزار غيره، هذا هو الذي حرَّمه تعالى على نفسه، فهو حرَّم على نفسه شيئًا هو يقدر عليه، وليس مستحيلًا، فينبغي على طالب العلم أن ينتبه لتفسيرات أهل البدع؛ لئلا تنطلي عليه.

وقوله: ((فَلَا تَظَالَمُوا) يعني: فلا يظلم بعضكم بعضًا، فالله تعالى حرَّم الظلم على نفسه، وحرَّمه على عباده، وظُلم العباد يكون في الدماء أو الأموال أو الأعراض.

فالواجب الحذر من الظلم مطلقا، وأعظم الظلم الشرك، وهو وضع الشيء في غير موضعه؛ لأن المشرك وَضَع العبادة في غير مستحِقِّها، وهذا أعظم الظلم، ثم ظلم العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ثم الظلم الثالث ظلم العبد فيما بينه وبين نفسه، كأن يفعل المعاصي، ويقصر في الواجبات التي أوجبها الله عليه.

وقوله: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)): والله تعالى هو الهادي.

وقوله: ((يَا عِبَادِي: إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>