قوله:((فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ)): هو بسين مخففة مهملة، أي: ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل، أو سيف وغيره (١).
وفي هذا الحديث: أنه اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فضرب أحدهما الآخر على دبره بيده أو بصدر قدمه، فشق ذلك عليه، ولم يتحمله، وعدَّ هذا عيبًا، وكانت العرب تعده عيبًا، فنادى: يا للمهاجرين، ونادى الآخر: يا للأنصار، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهما، فقال:((مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ))، وفي اللفظ الآخر:((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ))، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم التنادي بالمهاجرين والأنصار، وإن كانا لقبَين إسلاميَين، لكن لما كان فيهما دعوى إلى التحزب والعصبية، والتفريق بين المهاجرين والأنصار سماها النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر التعاضد بالمهاجرين والأنصار- وهما لقبان إسلاميان- فالتعاضد بغيرهما منكر من باب أولى، وكذلك لو قال: يا آل قحطان، يا آل العرب، فهو وإن كان أشملَ إلا أنه دعوى جاهلية- أيضا؛ لِما فيه من التحزب والتفريق، فإن كان مستغيثا ولا بد فليقل: أيها المسلمون، يا مسلمون، حتى ينصرَه كلُّ أحد من العرب والعجم.
وفيه: أن عبد الله بن أُبيّ رئيس المنافقين قال: ((قَدْ فَعَلُوهَا؟ ! وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)): فاستأذن عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وقال:((دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنْافقِ))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)).