للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن لم يؤمن بأن الله تعالى عَلِم الأشياء وكتبها في اللوح المحفوظ فليس بمؤمن؛ لهذا كفَّر العلماءُ القدريةَ الأولى الذين يقولون: إن الأمر أُنُف، أي: مستأنف جديد، لم يسبق به علم الله تعالى.

والقدرية: ظهروا في أواخر عهد الصحابة، فتبرأ منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما- كما تقدم في أول حديث في صحيح مسلم بعد المقدمة- لما جاءه حميد الطويل وصاحبه، واكتنفاه، وسألاه وهو ذاهب إلى الحج، وقالا له: ((يا أبا عبد الرحمن، إنه ظهر قِبَلَنا أناس- يعني: في البصرة- يتقفَّرون العلم- يعني: يطلبون العلم- ويزعمون أن الأمر أُنف- يعني: مستأنف وجديد لم يسبقه علمُ الله وكتابته- قال: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي)) (١)، ثم ساق حديثًا رواه عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث جبريل المشهور في سؤالاته للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، وعن الإيمان، وعن الإحسان، وعن الساعة، وعن أماراتها.

وفيه: إثبات الكتابة لله، وأنها صفة من صفاته، كما يليق بجلاله؛ لهذا قال: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ) وجاء في الحديث: ((أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ) وفيه أيضا: إثبات صفة اليد لله كما يليق بجلاله، وقد جانب النووي الصواب بتأويل صفة اليد.

وفيه: إثبات فضائل آدم عليه السلام التي بيَّنها موسى عليه السلام، فقال: ((أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ)).

وفيه: فضائل موسى عليه السلام التي بيَّنها آدم عليه السلام، فقال: ((أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ)) وفيه: إثبات صفة الكلام لله سبحانه، ((وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ) يعني: تبيانًا لكل شيء يُحتاج له من أحكام التوراة؛ وإلا فإن موسى عليه السلام خفي عليه بعض العلم، ورحل إلى الخضر يتعلم منه، وقال له: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا}، وأما قول الله تعالى- عن القرآن


(١) أخرجه مسلم (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>