للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا تخلف عن بدر؛ لأنه ما خرج للغزو، وإنما خرج للعير فكان النفير؛ ولذا قال الله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}.

وتخلُّف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك بدون عذر- حتى إنه قال: ما مر علي وقت كنت أيسر ولا أقوى من ذلك الوقت، ومع ذلك تخلفتُ- كان هذا لحكمة أن ابتلاه الله وطهَّره من الذنب بالتوبة التي أنزلها الله في كتابه، آية تتلى إلى يوم القيامة.

وقوله: ((فَجَلَا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ)): يعني: أوضح لهم الأمر أنه سيذهب إلى الروم؛ لأن الأمر لم يكن بالأمر الهين، فالسفر بعيد، والمفاوز والمخاطر عظيمة، بمشقة وتحمل، وليست كأسفارنا اليوم قد هيأ الله لنا من المراكب التي يسرت الأسباب كما هو معلوم، وكانت- أيضًا- في شدة الحر، وفي وقت الخريف وقد طابت الثمار، والإنسان يميل إلى الدعة والراحة وجناء الثمار، والعدو- أيضًا- مخيف مهيب، كل هذا اجتمع، والمسلمون قدَّموا محبة الله ورسوله، وأمر الله ورسوله على هذه الأمور، وتلافوا هذه الصعاب والمشاق.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، فإذا أراد جهة الشمال سار جهة الجنوب، لكن في هذه الغزوة أوضحها للناس للأسباب السابقة.

وقوله: ((وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ)): هكذا بالتخفيف في رواية مسلم، وهي بالتنوين في رواية البخاري (١) - ((يُرِيدُ: بِذَلِكَ الدِّيوَانَ) يعني: ليسوا مكتوبين ومدونين بسجلات، ولا ينافي هذا كتابة الجيوش والمقاتلة، وقد بوب البخاري رحمه الله: باب كتابة الإمام الناس (٢)، وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه


(١) أخرجه البخاري (٤٤١٨).
(٢) أخرجه البخاري (٤/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>