وقولها:((حتى خرجتُ بعد ما نقهتُ))، يعني: شفيت من مرضها، إلا أنها لم تتكامل صحتها، فلما علمت بالخبر رجع المرض عليها مرة أخرى؛ لأنها مظلومة.
وقولها:((وخرجت معي أمُّ مسطح قِبَلَ المناصِعِ، وهو متبَرَّزُنا، ولا نخرجُ إلا ليلًا إِلَى لَيْلٍ)): المناصع: صحراء واسعة، وكانت المدينة ليست واسعة، ويكون أمام البيوت متسع تخرج النساء لتقضي حاجتها فيه، وكانت النساء لا تخرج إلا من الليل مرة واحدة؛ لأن الأكل كان قليلًا أصلًا.
وقولها:((وذلك قبل أن نتخذ الكُنُفَ قريبًا من بيوتنا وأمرُنَا أمرُ العرب الأول في التنزه، كنا نتأذى بالكُنُفِ أنْ نتخِذَهَا عندَ بيوتِنَا))، الكنف هو محل قضاء الحاجة، كانوا على عادة العرب في التنزه يكرهون جعلها قريبة من البيوت؛ لما لها من الرائحة، فكانوا يتأذون بها-والتنزه: طلب النزاهة والطهارة والرائحة الطيبة على عادة العرب-، ثم بعد ذلك اتخذوا الكُنُفَ لما اتسعت المدينة وكثر الناس؛ ولهذا قال أبو أيوب رضي الله عنه:((فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى)) (١)، يعني: في البيوت.
وقولها:((فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ- خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ، فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ ! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ ! قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ )): مسطح بن أثاثة هو: ابن خالة أبي بكر الصديق، وتعس، يعني: هلك، أو انتكس، دعاء عليه، وكان ممن شهد بدرًا وكان فقيرًا، وكان أبو بكر ينفق