للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ممنوعًا، ولا إثم فيه، ولا يدخل فيه الوعيد، من مثل ما جاء في الحديث: ((أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)) (١).

والمنهي عنه إذا كان للهوى والتشفي، أما إذا كان بتأويل ففاعله معذور؛ ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسيد بن حضير رضي الله عنه قوله: ((لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ) ولم ينكر على عمر قوله في حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنهما: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ)) (٢).

وقولها: ((وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ)): وذلك لأنها مظلومة رضي الله عنها.

وقولها: ((وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي) أي: من كثرة البكاء يظن أبواها أنه يشقق كبدها، وتموت بسبب استمرارها فيه، وعدم تحملها؛ لأنها مظلومة ومريضة- أيضًا- فقد أفاقت من المرض وانتكست مرة أخرى.

وتأخُّر الوحي شهرًا كاملًا هو من الابتلاء والامتحان.

وفيه: دليل على أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة قد يبتلى بمحنة عظيمة يكفر الله بها خطيئته، ويرفع درجاته، فهذه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها امرأة صالحة، ومع ذلك ابتليت بهذه المحنة والبلية، حيث تكلم بها أهل الإفك، واتهموها بهذه التهمة العظيمة؛ ليعظم الله لها الأجر.

وفيه: دليل على أن العاقبة الحميدة تكون للمؤمنين.

وفيه: تصديق لقول الله تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}، ولقوله تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا}.

وقد صارت العاقبة الحميدة للصديقة رضي الله عنها بعد ما أصابها من الشدة


(١) أخرجه البخاري (٦١٠٤)، ومسلم (٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>