والمحنة والبكاء والتهمة لمدة شهر كامل، فأنزل الله فيها عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة، وهذه مَنقَبة عظيمة.
ولهذا فمن رماها بما برأها الله به فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه مكذب لله، ومن كذب الله كفر.
وقولها:((فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)): فيه: مشروعية التشهد، وقول: أما بعد، في الأمور التي يريد أن يتكلم بها الإنسان.
وفيه: أن من تاب من الذنب تاب الله عليه.
وفيه: دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لعلم حال عائشة، وحال أهل الإفك وأنهم كاذبون.
وفيه: رد على مَن عبد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه يعلم الغيب، وهناك طائفة في الهند يسمون (البريلوية) يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وهذا فيه الرد عليهم، فلو كان يعلم الغيب ما قال لعائشة:((وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ))، ومعناه: إن كان ما قاله أهل الإفك صحيحًا فتوبي إلى الله.
وقولها: ((فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ- وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ-: إِنِّي- وَاللَّهِ- لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي- وَاللَّهِ- مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا