للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَصِفُونَ})): كانت عائشةُ جاريةً حديثةَ السِّنِّ، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثمانية عشر سنة، فكانت تقول هذا الكلام وهي صغيرة، ربما كانت ابنة اثنتي عشرة، أو ثلاث عشرة سنة، وهو كلامُ مَن عنده فهم عظيم وفقه كبير.

وقد نسيت اسم يعقوب، فقالت: كما يقول أبو يوسف: فصبر جميل، بسبب ما تحس به من الألم.

وقولها: ((ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا- وَاللَّهِ- حِينَئِذٍ- أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ- وَاللَّهِ- مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى)):

فيه: دليل على أن القرآن كلام الله، وأن الله تكلم به بحرف وصوت، وأنه كلامه لفظًا ومعنًى.

وفيه: دليل على أن القرآن منزل غير مخلوق.

فيه: إثبات العلو، لأن التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل.

وفيه: الرد على المعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق.

وقولها: ((وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا)): فيه تواضع عائشة رضي الله عنها وإزرائه على نفسها، ومثل ذلك قولها لمن سألها عُقْبَةُ بْنُ صُهْبَانَ الْحَرَّانِيُّ، فقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَمَّا السَّابِقُ فَمَنْ مَضَى فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ لَهُ بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ آثَارُهُمْ فَعَمِلَ بِأَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمْ، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمِثْلِي وَمِثْلُكَ وَمَنِ اتَّبَعَنَا، وَكُلٌّ فِي الْجَنَّةِ» (١)


(١) أخرجه الحاكم (٣٥٩٣)، والطبراني في الأوسط (٦٠٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>