للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استدل ابن مسعود رضي الله عنه على أن هذا الدخان قد مضى في الدنيا بقوله: ((أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟ ! ) فهذا استفهام إنكار على من يقول: إن الدخان يكون يوم القيامة؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة، إنما هو في الدنيا.

وكما أن العذاب قد مضى فقد مضت البطشة- أيضًا- وقد فسرها ابن مسعود رضي الله عنه بأنها ما أصابهم ((يَوْمَ بَدْرٍ)).

قوله: ((وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ)): اللزام المراد به: قوله سبحانه وتعالى: {فسوف يكون لزامًا}، أي: يكون عذابهم لازمًا، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى

((وَآيَةُ الرُّومِ) أي: أنْ تَغلِبَ الرومُ الفرسَ، كما قال تعالى: {آلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين}، فهذه الأربع كلها قد مضت في الدنيا.

وهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صحيح، إلا أنه خفي عليه ما دلت عليه نصوصٌ أُخَرُ، من أن هناك دخانًا آخر يأتي في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبرى، وهو دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويصيب المؤمنَ منه كهيئة الزكام (١).

وقوله: ((وَالْقَمَرُ)): المراد به: انشقاق القمر حتى صار كل شق في جهة، وهو المراد في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر}، وهو معجزة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن علامات نبوته، كما سيأتي في الباب الآتي.

وفي هذا الحديث: دليل على أن العالم قد تخفى عليه بعض مسائل العلم مهما كان علمه واسعًا.


(١) أخرجه البخاري (٤٧٧٤)، ومسلم (٢٧٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>