للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا) أي: افعلوا السداد والصواب، وهو الوسط بين الغلو والتقصير، فإن لم تقدروا على فعل السداد فقاربوه.

وقوله: ((وَأَبْشِرُوا) يعني: أبشروا بالخير إذا بذلتم وُسْعكم في فعل السداد والصواب.

وقوله: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ) يعني: العمل الدائم، ولو كان قليلًا أحسن من العمل الكثير الذي ينقطع، فالإنسانُ إذا واظب كلَّ ليلة على صلاة ركعتين، أو أربعٍ تطوعًا لله تعالى أفضلُ من أن يصلي اثنتي عشرة ركعة، ثم لا يواظب عليها.

وفي هذا الحديث- برواياته المتعددة وطرقه المختلفة-: دليل على أن العمل ليس عوضًا عن الجنة، ولا أن دخول الجنة يكون بالعمل، وإنما دخول الجنة يكون بفضل الله ورحمته، والعمل سبب في ذلك، فمن جاء بالسبب- الذي هو العمل- نالته رحمة الله، ومن لم يأتِ بالعمل فإن رحمته تعالى لن تناله، قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، أي: ليست الرحمة لكل أحد، وإنما هي للمتقين خاصة، والمتقي هو الموحد المؤمن.

والباءُ في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} باءُ السببية، وهي التي أثبتت الدخول.

وفي رواية أخرى في غير الصحيحين: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِعَمَلٍ)): قُلْنَا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ)) (١)، وعليه فالباء في قوله: ((بِعَمَلٍ)): للعوض، وهي التي نفت الدخول (٢)، والمعنى: أنه لن يدخل أحدٌ الجنة عوضًا عن عمله.


(١) أخرجه أحمد (٧٤٧٩)، والطبراني في الكبير (٤٩٣).
(٢) حادي الأرواح، لابن القيم (ص ٨٨)، مفتاح دار السعادة، لابن القيم (١/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>