للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد غلط في هذا الأشاعرة والمعتزلة؛ فالمعتزلة عكسوا، وقالوا: إن الباء التي في الإثبات- كالتي في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} - فهي للعوض، قالوا: وعليه فإن العمل عوض عن الجنة، والعامل يستحق الثواب على الله تعالى، كما يستحق الأجير أجرته (١).

وهذا من جهلهم؛ فقد سبق أن هناك فرقًا بين الباء التي سبقها نفي، وبين الباء التي وقعت في سياق الإثبات.

قال النووي رحمه الله- في رده على المعتزلة-: ((اعلم أن مذهب أهل السنة: أنه لايثبت بالعقل ثواب ولاعقاب، ولا أيجاب ولاتحريم، ولاغيرها من أنواع التكاليف، ولاتثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع، ومذهب أهل السنة- أيضًا-: أن الله تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى الله عن ذلك-، بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان عدلًا منه، وإذا أكرمهم ونعَّمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر- وخبره صدق- أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم فى النار عدلًا منه، وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصلح، ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم- تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع)) (٢).

قلت: هذا الكلام من المعتزلة والأشاعرة منابذ للشرع.

وقال النووي- أيضًا- رحمه الله: ((وفي ظاهر هذه الأحاديث: دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ


(١) شرح الطحاوية، لابن أبي العز (٢/ ٦٤٣).
(٢) شرح مسلم، للنووي (١٧/ ١٥٩ - ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>