للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَهْلِ الْكِتَابِ)): فيه: أنه قُبيل بعثة النبي عمَّ الشركُ والفساد الأرض كلَّها؛ ولهذا فإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم؛ لكثرة الشرك فيهم.

والمقت: أشد البغض، فهو تعالى يمقت أهل الكفر وأهل المعاصي.

وفيه: إثبات صفة المقت لله عز وجل، وهي صفة ثابتة له تعالى بالكتاب والسنة، فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}، ومن السنة: هذا الحديث الذي معنا.

وقوله: ((وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ)): بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ابتلاءً وامتحانًا ليبتليَهُ في تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، ويبتليَ الناسَ به، هل ينقادون ويستجيبون، أم يردُّون دعوته ويُعرضون؟ ! وقد بلَّغ عليه السلام الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

وقوله: ((وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) يعني: أن القرآن الكريم لا يغسله الماء من المصاحف؛ لأنه محفوظ في الصدور، فلو تَلفتِ المصاحف- بأي سبب كان- فإن القرآن لا يضيع؛ لأنه محفوظ في الصدور، ولا يُنزع القرآن من الصدور إلا في آخر الزمان.

وقوله: ((تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ)): المعنى: أنه ميسر، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}، وإذا كان ميسَّرًا للحفظ فإن الإنسان يتلوه حال اليقظة، وقد يتلوه حال النوم؛ لأنه محفوظ وموجود في صدره.

وقوله: ((وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ- إِذًا- يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ)): يثلغوا رأسي، أي: يشدخوه ويشجوه، كما يشدخ الخبز، أي: يُكسر (١)، وقد أمره الله تعالى أن يغزوهم، فهو يفعل السبب، والله تعالى يُمده بالإعانة.


(١) النهاية، لابن الأثير (١/ ٢٢٠)، لسان العرب، لابن منظور (٨/ ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>